Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿إنَّ الأبْرارَ لَفي نَعِيمٍ﴾ ﴿وإنَّ الفُجّارَ لَفي جَحِيمٍ﴾ ﴿يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ﴾ ﴿وما هم عَنْها بِغائِبِينَ﴾ .
فُصِلَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ عَنِ الَّتِي قَبْلَها لِأنَّها اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ جَوابٌ عَنْ سُؤالٍ يَخْطُرُ في نَفْسِ السّامِعِ يُثِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وإنَّ عَلَيْكم لَحافِظِينَ﴾ [الإنفطار: ٩] الآيَةَ لِتَشَوُّفِ النَّفْسِ إلى مَعْرِفَةِ هَذا الجَزاءِ ما هو، وإلى مَعْرِفَةِ غايَةِ إقامَةِ المَلائِكَةِ لِإحْصاءِ الأعْمالِ ما هي، فَبُيِّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الأبْرارَ لَفي نَعِيمٍ﴾ الآيَةَ.
وأيْضًا تَتَضَمَّنُ هَذِهِ الجُمْلَةُ تَقْسِيمَ أصْحابِ الأعْمالِ فَهي تَفْصِيلٌ لِجُمْلَةِ ﴿يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ﴾ [الإنفطار: ١٢] وذَلِكَ مِن مُقْتَضَياتِ فَصْلِ الجُمْلَةِ عَنِ الَّتِي قَبْلَها.
وجِيءَ بِالكَلامِ مُؤَكَّدًا بِـ (إنَّ) ولامِ الِابْتِداءِ لِيُساوِيَ البَيانُ مَبِيِّنَهُ في التَّحْقِيقِ ودَفْعِ الإنْكارِ.
صفحة ١٨٢
وكُرِّرَ التَّأْكِيدُ مَعَ الجُمْلَةِ المَعْطُوفَةِ لِلِاهْتِمامِ بِتَحْقِيقِ كَوْنِهِمْ في جَحِيمٍ لا يَطْمَعُوا في مُفارَقَتِهِ.والأبْرارُ: جَمْعُ بَرٍّ بِفَتْحِ الباءِ وهو التَّقِيُّ. وهو فِعْلٌ بِمَعْنى فاعِلٍ مُشْتَقٌّ مِن بَرَّ يَبَرُّ، ولِفِعْلِ بَرَّ اسْمُ مَصْدَرٍ هو بِرٌّ بِكَسْرِ الباءِ ولا يُعْرَفُ لَهُ مَصْدَرٌ قِياسِيٌّ بِفَتْحِ الباءِ كَأنَّهم أماتُوهُ لِئَلّا يَلْتَبِسَ بِالبَرِّ وهو التَّقِيُّ، وإنَّما سُمِّيَ التَّقِيُّ بَرًّا لِأنَّهُ بَرَّ رَبَّهُ، أيْ: صَدَّقَهُ ووَفّى لَهُ بِما عَهِدَ لَهُ مِنَ الأمْرِ بِالتَّقْوى.
والفُجّارُ: جَمْعُ فاجِرٍ، وصِيغَةُ فُعّالٍ تَطَّرِدُ في تَكْسِيرِ فاعِلٍ المُذَكَّرِ الصَّحِيحِ اللّامِ.
والفاجِرُ: المُتَّصِفُ بِالفُجُورِ وهو ضِدُّ البُرُورِ.
والمُرادُ بِالفاجِرِ هُنا: المُشْرِكُونَ لِأنَّهُمُ الَّذِينَ لا يَغِيبُونَ عَنِ النّارِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وذَلِكَ هو الخُلُودُ، ونَحْنُ أهْلَ السُّنَّةِ لا نَعْتَقِدُ الخُلُودَ في النّارِ لِغَيْرِ الكافِرِ. فَأمّا عُصاةُ المُؤْمِنِينَ فَلا يَخْلُدُونَ في النّارِ، وإلّا بَطَلَتْ فائِدَةُ الإيمانِ.
والنَّعِيمُ: اسْمُ ما يَنْعَمُ بِهِ الإنْسانُ.
والظَّرْفِيَّةُ مِن قَوْلِهِ: في نَعِيمٍ مَجازِيَّةٌ؛ لِأنَّ النَّعِيمَ أمْرٌ اعْتِبارِيٌّ لا يَكُونُ ظَرْفًا حَقِيقَةً، شُبِّهَ دَوامُ التَّنَعُّمِ لَهم بِإحاطَةِ الظَّرْفِ بِالمَظْرُوفِ بِحَيْثُ لا يُفارِقُهُ.
وأمّا ظَرْفِيَّةُ قَوْلِهِ: ﴿لَفِي جَحِيمٍ﴾ فَهي حَقِيقِيَّةٌ.
والجَحِيمُ صارَ عَلَمًا بِالغَلَبَةِ عَلى جَهَنَّمَ، وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ التَّكْوِيرِ وفي سُورَةِ النّازِعاتِ.
وجُمْلَةُ (يَصْلَوْنَها) صِفَةٌ لِـ (جَحِيمٍ)، أوْ حالٌ مِنَ الفُجّارِ، أوْ حالٌ مِنَ الجَحِيمِ، وصَلْيُ النّارِ: مَسُّ حَرِّها لِلْجِسْمِ، يُقالُ: صَلِيَ النّارَ، إذا أحَسَّ بِحَرِّها، وحَقِيقَتُهُ: الإحْساسُ بِحَرِّ النّارِ المُؤْلِمِ، فَإذا أُرِيدَ التَّدَفِّي قِيلَ: اصْطَلى.
ويَوْمَ الدِّينِ ظَرْفٌ لِـ يَصْلَوْنَها وذُكِرَ لِبَيانِ: أنَّهم يَصْلَوْنَها جَزاءً عَنْ فُجُورِهِمْ؛ لِأنَّ الدِّينَ الجَزاءُ ويَوْمَ الدِّينِ يَوْمُ الجَزاءِ وهو مِن أسْماءِ يَوْمِ القِيامَةِ.
صفحة ١٨٣
وجُمْلَةُ ﴿وما هم عَنْها بِغائِبِينَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ (يَصْلَوْنَها) أيْ: يَصْلَوْنَ حَرَّها ولا يُفارِقُونَها، أيْ: وهم خالِدُونَ فِيها.وجِيءَ بِقَوْلِهِ: ﴿وما هم عَنْها بِغائِبِينَ﴾ جُمْلَةً اسْمِيَّةً دُونَ أنْ يُقالَ: وما يَغِيبُونَ عَنْها، أوْ ما يُفارِقُونَها، لِإفادَةِ الِاسْمِيَّةِ الثَّباتَ سَواءٌ في الإثْباتِ أوِ النَّفْيِ، فالثَّباتُ حالَةٌ لِلنِّسْبَةِ الخَبَرِيَّةِ سَواءٌ كانَتْ نِسْبَةَ إثْباتٍ أوْ نِسْبَةَ نَفْيٍ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما هم بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ﴾ [البقرة: ١٦٧] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وزِيادَةُ الباءِ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ.
وتَقْدِيمُ (عَنْها) عَلى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمامِ بِالمَجْرُورِ، ولِلرِّعايَةِ عَلى الفاصِلَةِ.