صفحة ٢٥٢

﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في تَكْذِيبٍ﴾ ﴿واللَّهُ مِن ورائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ .

إضْرابٌ انْتِقالِيٌّ إلى إعْراضِهِمْ عَنِ الِاعْتِبارِ بِحالِ الأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ، وهو أنَّهم مُسْتَمِرُّونَ عَلى التَّكْذِيبِ مُنْغَمِسُونَ فِيهِ انْغِماسَ المَظْرُوفِ في الظَّرْفِ، فَجُعِلَ تَمَكُّنُ التَّكْذِيبِ مِن نُفُوسِهِمْ كَتَمَكُّنِ الظَّرْفِ بِالمَظْرُوفِ.

وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ إحاطَةَ التَّكْذِيبِ بِهِمْ إحاطَةُ الظَّرْفِ بِالمَظْرُوفِ لا يَتْرُكُ لِتَذَكُّرِ ما حَلَّ بِأمْثالِهِمْ مِنَ الأُمَمِ مَسْلَكًا لِعُقُولِهِمْ، ولِهَذا لَمْ يَقُلْ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ كَما قالَ في سُورَةِ الِانْشِقاقِ.

وحُذِفَ مُتَعَلِّقُ التَّكْذِيبِ لِظُهُورِهِ مِنَ المَقامِ، إذِ التَّقْدِيرُ: أنَّهم في تَكْذِيبٍ بِالنَّبِيءِ ﷺ وبِالوَحْيِ المُنَزَّلِ إلَيْهِ وبِالبَعْثِ.

وجُمْلَةُ ﴿واللَّهُ مِن ورائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا في تَكْذِيبٍ﴾ أيْ: هم مُتَمَكِّنُونَ مِنَ التَّكْذِيبِ واللَّهُ يُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ عِقابًا لا يُفْلِتُونَ مِنهُ. فَقَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ مِن ورائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ تَمْثِيلٌ لِحالِ انْتِظارِ العَذابِ إيّاهم وهم في غَفْلَةِ عَنْهُ بِحالِ مَن أحاطَ بِهِ العَدُوُّ مِن ورائِهِ وهو لا يَعْلَمُ حَتّى إذا رامَ الفِرارَ والإفْلاتَ وجَدَ العَدُوَّ مُحِيطًا بِهِ، ولَيْسَ المُرادُ هُنا إحاطَةَ عِلْمِهِ تَعالى بِتَكْذِيبِهِمْ إذْ لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ جَدْوى.

وقَدْ قُوبِلَ جَزاءُ إحاطَةِ التَّكْذِيبِ بِهِمْ بِإحاطَةِ العَذابِ بِهِمْ جَزاءً وِفاقًا فَقَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ مِن ورائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ في الوَعِيدِ والتَّهْدِيدِ.