﴿هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الغاشِيَةِ﴾

الِافْتِتاحُ بِالِاسْتِفْهامِ عَنْ بُلُوغِ خَبَرِ الغاشِيَةِ مُسْتَعْمَلٌ في التَّشْوِيقِ إلى مَعْرِفَةِ هَذا الخَبَرِ لِما يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ المَوْعِظَةِ.

وكَوْنُ الِاسْتِفْهامِ بِـ هَلِ المُفِيدَةِ مَعْنى قَدْ فِيهِ مَزِيدُ تَشْوِيقٍ فَهو اسْتِفْهامٌ صُورِيٌّ يُكَنّى بِهِ عَنْ أهَمِّيَّةِ الخَبَرِ بِحَيْثُ شَأْنُهُ أنْ يَكُونَ بَلَغَ السّامِعَ، وقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ﴾ [ص: ٢١] في سُورَةِ ص. وقَوْلِهِ: ﴿هَلْ أتاكَ حَدِيثُ مُوسى﴾ [النازعات: ١٥] في سُورَةِ النّازِعاتِ.

وتَقَدَّمَ هُنالِكَ إطْلاقُ فِعْلِ الإتْيانِ عَلى فُشُوِّ الحَدِيثِ.

وتَعْرِيفُ ما أُضِيفَ إلَيْهِ (حَدِيثُ) بِوَصْفِهِ (الغاشِيَةِ) الَّذِي يَقْتَضِي مَوْصُوفًا لَمْ يُذْكَرْ هو إبْهامٌ لِزِيادَةِ التَّشْوِيقِ إلى بَيانِهِ الآتِي لِيَتَمَكَّنَ الخَبَرُ في الذِّهْنِ كَمالَ تَمَكُّنٍ.

والحَدِيثُ: الخَبَرُ المُتَحَدَّثُ بِهِ وهو فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، أوِ الخَبَرُ الحاصِلُ بِحِدْثانٍ، أيْ: ما حَدَثَ مِن أحْوالٍ. وتَقَدَّمَ في سُورَةِ النّازِعاتِ.

والغاشِيَةُ: مُشْتَقَّةٌ مِنَ الغِشْيانِ وهو تَغْطِيَةٌ مُتَمَكِّنَةٌ وهي صِفَةٌ أُرِيدَ بِها حادِثَةُ القِيامَةِ، سُمِّيَتْ غاشِيَةٌ عَلى وجْهِ الِاسْتِعارَةِ لِأنَّها إذا حَصَلَتْ لَمْ يَجِدِ النّاسُ مَفَرًّا مِن أهْوالِها، فَكَأنَّها غاشٍ يَغْشى عَلى عُقُولِهِمْ. ويُطْلَقُ الغِشْيانُ عَلى غَيْبُوبَةِ العَقْلِ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ وصْفُ الغاشِيَةِ مُشْتَقًّا مِنهُ، فَفُهِمَ مِن هَذا أنَّ الغاشِيَةَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّياقُ وتَأْنِيثُ الغاشِيَةِ لِتَأْوِيلِها بِالحادِثَةِ ولَمْ يَسْتَعْمِلُوها إلّا مُؤَنَّثَةَ اللَّفْظِ

صفحة ٢٩٥

والتَّأْنِيثُ كَثِيرٌ في نَقْلِ الأوْصافِ إلى الِاسْمِيَّةِ مِثْلَ الدّاهِيَةِ والطّامَّةِ والصّاخَّةِ والقارِعَةِ والآزِفَةِ.

والغاشِيَةُ هُنا: عَلَمٌ بِالغَلَبَةِ عَلى ساعَةِ القِيامَةِ كَما يُؤْذِنُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ عَقِبَهُ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ﴾ [الغاشية: ٢] أيْ: يَوْمَ الغاشِيَةِ.