Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿فَذَكِّرْ إنَّما أنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ ﴿إلّا مَن تَوَلّى وكَفَرَ﴾ ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ العَذابَ الأكْبَرَ﴾ .
الفاءُ فَصِيحَةُ تَفْرِيعٍ عَلى مُحَصَّلِ ما سَبَقَ مِن أوَّلِ السُّورَةِ الَّذِي هو التَّذْكِيرُ بِالغاشِيَةِ وما اتَّصَلَ بِهِ مِن ذِكْرِ إعْراضِهِمْ وإنْذارِهِمْ، رَتَّبَ عَلى ذَلِكَ أمْرُ اللَّهِ رَسُولَهُ ﷺ بِالدَّوامِ عَلى تَذْكِيرِهِمْ، وأنَّهُ لا يُؤَيِّسُهُ إصْرارُهم عَلى الإعْراضِ وعَدَمُ ادِّكارِهِمْ بِما ألْقى إلَيْهِمْ مِنَ المَواعِظِ، وتَثْبِيتُهُ بِأنَّهُ لا تَبِعَةَ عَلَيْهِ مِن عَدَمِ إصْغائِهِمْ إذْ لَمْ يُبْعَثْ مُلْجِئًا لَهم عَلى الإيمانِ.
فالأمْرُ مُسْتَعْمَلٌ في طَلَبِ الِاسْتِمْرارِ والدَّوامِ.
ومَفْعُولُ ذَكِّرْ مَحْذُوفٌ هو ضَمِيرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ .
وجُمْلَةُ ﴿إنَّما أنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ تَعْلِيلٌ لِلْأمْرِ بِالدَّوامِ عَلى التَّذْكِيرِ مَعَ عَدَمِ إصْغائِهِمْ؛ لِأنَّ إنَّما مُرَكَّبَةٌ مِن إنَّ وما وشَأْنُ إنَّ إذا ورَدَتْ بَعْدَ جُمْلَةٍ أنْ تُفِيدَ التَّعْلِيلَ وتُغْنِيَ غَناءَ فاءِ التَّسَبُّبِ، واتِّصالُ ما الكافَّةِ بِها لا يُخْرِجُها عَنْ مَهْيَعِها.
والقَصْرُ المُسْتَفادُ بِـ إنَّما قَصْرٌ إضافِيٌّ، أيْ: أنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ وكِيلًا عَلى
صفحة ٣٠٧
تَحْصِيلِ تَذَكُّرِهِمْ فَلا تَتَحَرَّجْ مِن عَدَمِ تَذَكُّرِهِمْ، فَأنْتَ غَيْرُ مُقَصِّرٍ في تَذْكِيرِهِمْ، وهَذا تَطْمِينٌ لِنَفْسِهِ الزَّكِيَّةِ.وجُمْلَةُ ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ القَصْرِ بِاعْتِبارِ جانِبِ النَّفْيِ الَّذِي يُفِيدُهُ القَصْرُ.
والمُصَيْطِرُ: المُجْبِرُ المُكْرِهُ.
يُقالُ: صَيْطَرَ بِصادٍّ في أوَّلِهِ، ويُقالُ: سَيْطَرَ بِسِينٍ في أوَّلِهِ والأشْهَرُ بِالصّادِّ. وتَقَدَّمَ في سُورَةِ الطُّورِ ﴿أمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ﴾ [الطور: ٣٧] وقَرَأ بِها الجُمْهُورُ وقَرَأ هِشامٌ عَنِ ابْنِ عامِرٍ بِالسِّينِ وقَرَأهُ حَمْزَةُ بِإشْمامِ الصّادِ صَوْتَ الزّايِ.
ونَفْيُ كَوْنِهِ مُصَيْطِرًا عَلَيْهِمْ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ في غَيْرِ الإخْبارِ؛ لِأنَّ النَّبِيءَ ﷺ يَعْلَمُ أنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ بِإكْراهِهِمْ عَلى الإيمانِ، فالخَبَرُ بِهَذا النَّفْيِ مُسْتَعْمَلٌ كِنايَةً عَنِ التَّطْمِينِ بِرَفْعِ التَّبِعَةِ عَنْهُ مِن جَرّاءَ اسْتِمْرارِ أكْثَرِهِمْ عَلى الكُفْرِ، فَلا نَسْخَ لِحَكَمِ هَذِهِ الآيَةِ بِآياتِ الأمْرِ بِقِتالِهِمْ.
ثُمَّ جاءَ وُجُوبُ القِتالِ بِتَسَلْسُلِ حَوادِثَ كانَ المُشْرِكُونَ هُمُ البادِئِينَ فِيها بِالعُدْوانِ عَلى المُسْلِمِينَ، إذْ أخْرَجُوهم مِن دِيارِهِمْ، فَشَرَعَ قِتالَ المُشْرِكِينَ لِخَضْدِ شَوْكَتِهِمْ وتَأْمِينِ المُسْلِمِينَ مِن طُغْيانِهِمْ.
ومِنَ الجَهَلَةِ مَن يَضَعُ قَوْلَهُ: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ ويَحِيدُ بِهِ عَنْ مَهْيَعِهِ فَيُرِيدُ أنْ يَتَّخِذَهُ حُجَّةً عَلى حُرِّيَّةِ التَّدَيُّنِ بَيْنَ جَماعاتِ المُسْلِمِينَ، وشَتّانَ بَيْنَ أحْوالِ أهْلِ الشِّرْكِ وأحْوالِ جامِعَةِ المُسْلِمِينَ، فَمَن يُلْحِدُ في الإسْلامِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ يُسْتَتابُ ثَلاثًا فَإنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ، وإنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ فَعَلى المُسْلِمِينَ أنْ يَنْبِذُوهُ مِن جامِعَتِهِمْ ويُعامِلُوهُ مُعامَلَةَ المُحارَبِ، وكَذَلِكَ مَن جاءَ بِقَوْلٍ أوْ عَمَلٍ يَقْتَضِي نَبْذَ الإسْلامِ أوْ إنْكارَ ما هو مِن أُصُولِ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بَعْدَ أنْ يُوقَفَ عَلى مَآلِ قَوْلِهِ أوْ عَمَلِهِ فَيَلْتَزِمُهُ ولا يَتَأوَّلُهُ بِتَأْوِيلٍ مَقْبُولٍ ويَأْبى الِانْكِفافَ.
وتَقْدِيمُ عَلَيْهِمْ عَلى مُتَعَلِّقِهِ وهو مُسَيْطِرٌ لِلرِّعايَةِ عَلى الفاصِلَةِ.
وقَوْلُهُ: ﴿إلّا مَن تَوَلّى وكَفَرَ﴾ ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ العَذابَ الأكْبَرَ﴾ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ وجُمْلَةِ ﴿إنَّ إلَيْنا إيابَهُمْ﴾ [الغاشية: ٢٥]
صفحة ٣٠٨
والمَقْصُودُ مِن هَذا الِاعْتِراضِ الِاحْتِراسُ مِن تَوَهُّمِهِمْ أنَّهم أصْبَحُوا آمَنِينَ مِنَ المُؤاخَذَةِ عَلى عَدَمِ التَّذَكُّرِ.فَحَرْفُ إلّا لِلِاسْتِثْناءِ المُنْقَطِعِ وهو بِمَعْنى الِاسْتِدْراكِ.
والمَعْنى: لَكِنَّ مَن تَوَلّى عَنِ التَّذَكُّرِ ودامَ عَلى كُفْرِهِ يُعَذِّبُهُ اللَّهُ العَذابَ الشَّدِيدَ.
ودَخَلَتِ الفاءُ في الخَبَرِ وهو فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ إذْ كانَ الكَلامُ اسْتِدْراكًا وكانَ المُبْتَدَأُ مَوْصُولًا، فَأشْبَهَ بِمَوْقِعِهِ وبِعُمُومِهِ الشُّرُوطَ فَأُدْخِلَتِ الفاءُ في جَوابِهِ ومِثْلُهُ كَثِيرٌ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أعْمالَهُمْ﴾ [محمد: ٤] . والأكْبَرُ: مُسْتَعارٌ لِلْقَوِيِّ المُتَجاوِزِ حَدَّ أنْواعِهِ.