Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها﴾ ﴿وقَدْ خابَ مَن دَسّاها﴾ .
يَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ جَوابَ القَسَمِ، وأنَّ المَعْنى تَحْقِيقُ فَلاحِ المُؤْمِنِينَ وخَيْبَةِ المُشْرِكِينَ كَما جُعِلَ في سُورَةِ اللَّيْلِ جَوابَ القَسَمِ قَوْلُهُ: (﴿إنَّ سَعْيَكم لَشَتّى﴾ [الليل: ٤] ﴿فَأمّا مَن أعْطى﴾ [الليل: ٥]) . . . إلَخْ.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةً مُعْتَرِضَةً بَيْنَ القَسَمِ والجَوابِ لِمُناسَبَةِ ذِكْرِ إلْهامِ الفُجُورِ والتَّقْوى، أيْ: أفْلَحَ مَن زَكّى نَفْسَهُ واتَّبَعَ ما ألْهَمَهُ اللَّهُ مِنَ التَّقْوى، وخابَ مَنِ اخْتارَ الفُجُورَ بَعْدَ أنْ أُلْهِمَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الأمْرَيْنِ بِالإدْراكِ والإرْشادِ الإلَهِيِّ.
صفحة ٣٧١
وهَذِهِ الجُمْلَةُ تَوْطِئَةٌ لِجُمْلَةِ (﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها﴾ [الشمس: ١١]) فَإنَّ ما أصابَ ثَمُودًا كانَ مِن خَيْبَتِهِمْ؛ لِأنَّهم دَسَّوْا أنْفُسَهم بِالطَّغْوى.وقُدِّمَ الفَلاحُ عَلى الخَيْبَةِ لِمُناسَبَتِهِ لِلتَّقْوى، وأُرْدِفَ بِخَيْبَةِ مَن دَسّى نَفْسَهُ لِتَهْيِئَةِ الِانْتِقالِ إلى المَوْعِظَةِ بِما حَصَلَ لِثَمُودَ مِن عِقابٍ عَلى ما هو أثَرُ التَّدْسِيَةِ.
و(مَن) صادِقَةٌ عَلى الإنْسانِ، أيِ: الَّذِي زَكّى نَفْسَهُ بِأنِ اخْتارَ لَها ما بِهِ كَمالُها ودَفْعُ الرَّذائِلِ عَنْها، فالإنْسانُ والنَّفْسُ شَيْءٌ واحِدٌ، ونُزِّلا مَنزِلَةَ شَيْئَيْنِ بِاخْتِلافِ الإرادَةِ والِاكْتِسابِ.
والتَّزْكِيَةُ: الزِّيادَةُ مِنَ الخَيْرِ.
ومَعْنى (دَسّاها): حالَ بَيْنَها وبَيْنَ فِعْلِ الخَيْرِ. وأصْلُ فِعْلِ (دَسّى): دَسَّ، إذا أدْخَلَ شَيْئًا تَحْتَ شَيْءٍ فَأخْفاهُ، فَأبْدَلُوا الحَرْفَ المُضاعَفَ ياءً طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ كَما قالُوا: تَقَضّى البازِيُّ، أيْ: تَقَضَّضَ، وقالُوا: تَظَنَّيْتُ، أيْ: مِنَ الظَّنِّ.
وإنْ كانَتْ جُمْلَةُ (﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها﴾) جَوابَ القَسَمِ، فَجُمْلَةُ (﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها﴾ [الشمس: ١١]) في مَوْقِعِ الدَّلِيلِ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ (﴿وقَدْ خابَ مَن دَسّاها﴾) أيْ: خابَ كَخَيْبَةِ ثَمُودَ.
والفَلاحُ: النَّجاحُ بِحُصُولِ المَطْلُوبِ، والخَيْبَةُ ضِدُّهُ، أيْ أنْ يُحْرَمَ الطّالِبُ مِمّا طَلَبَهُ.
فالإنْسانُ يَرْغَبُ في المُلائِمِ النّافِعِ، فَمِنَ النّاسِ مَن يَطْلُبُ ما بِهِ النَّفْعُ والكَمالُ الدّائِمانِ، ومِنَ النّاسِ مَن يَطْلُبُ ما فِيهِ عاجِلُ النَّفْعِ والكَمالُ الزّائِفُ، فالأوَّلُ قَدْ نَجَحَ فِيما طَلَبَهُ فَهو مُفْلِحٌ، والثّانِي يُحَصِّلُ نَفْعًا عارِضًا زائِلًا وكَمالًا مُوَقَّتًا يَنْقَلِبُ انْحِطاطًا، فَذَلِكَ لَمْ يَنْجَحْ فِيما طَلَبَهُ فَهو خائِبٌ، وقَدْ عُبِّرَ عَنْ ذَلِكَ هُنا بِالفَلاحِ والخَيْبَةِ كَما عُبِّرَ عَنْهُ في مَواضِعَ أُخَرَ بِالرِّبْحِ والخَسارَةِ.
والمَقْصُودُ هُنا الفَلاحُ في الآخِرَةِ والخَيْبَةُ فِيها.
وفِي هَذِهِ الآياتِ مُحَسِّنُ الطِّباقِ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَقَدْ ذُكِرَتْ أشْياءُ مُتَقابِلَةٌ مُتَضادَّةٌ مِثْلُ الشَّمْسِ والقَمَرِ لِاخْتِلافِ وقْتِ ظُهُورِهِما، ومِثْلُ: النَّهارِ واللَّيْلِ، والتَّجْلِيَةِ
صفحة ٣٧٢
والغَشْيِ، والسَّماءِ والأرْضِ، والبِناءِ والطَّحْوِ، والفُجُورِ والتَّقْوى، والفَلاحِ والخَيْبَةِ، والتَّزْكِيَةِ والتَّدْسِيَةِ.