Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿فَما يُكَذِّبُكُ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾ ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ﴾ .
تَفْرِيعٌ عَلى جَمِيعِ ما ذُكِرَ مِن تَقْوِيمِ خَلْقِ الإنْسانِ ثُمَّ رَدِّهُ أسْفَلَ سافِلِينَ؛ لِأنَّ ما بَعْدَ الفاءِ مِن كَلامٍ مُسَبَّبٌ عَنِ البَيانِ الَّذِي قَبْلَ الفاءِ، أيْ: فَقَدْ بانَ لَكَ أنَّ غَيْرَ الَّذِينَ آمَنُوا هُمُ الَّذِينَ رُدُّوا إلى أسْفَلِ سافِلِينَ فَمَن يُكَذِّبُ مِنهم بِالدِّينِ الحَقِّ بَعْدَ هَذا البَيانِ.
و(ما) يَجُوزُ أنْ تَكُونَ اسْتِفْهامِيَّةً، والِاسْتِفْهامُ تَوْبِيخِيٌّ، والخِطابُ لِلْإنْسانِ المَذْكُورِ في قَوْلِهِ: (﴿لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ في أحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: ٤]) فَإنَّهُ بَعْدَ أنِ اسْتُثْنِيَ مِنهُ الَّذِينَ آمَنُوا بَقِيَ الإنْسانُ المُكَذِّبُ.
وضَمِيرُ الخِطابِ التِفاتٌ، ومُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ: فَما يُكَذِّبُهُ، ونُكْتَةُ الِالتِفاتِ هُنا أنَّهُ أصْرَحُ في مُواجَهَةِ الإنْسانِ المُكَذِّبِ بِالتَّوْبِيخِ.
ومَعْنى (يُكَذِّبُكَ): يَجْعَلُكَ مُكَذِّبًا، أيْ: لا عُذْرَ لَكَ في تَكْذِيبِكَ بِالدِّينِ.
ومُتَعَلَّقُ التَّكْذِيبِ: إمّا مَحْذُوفٌ لِظُهُورِهِ، أيْ: يَجْعَلُكَ مُكَذِّبًا بِالرَّسُولِ ﷺ وإمّا المَجْرُورُ بِالباءِ، أيْ: يَجْعَلُكَ مُكَذِّبًا بِدِينِ الإسْلامِ، أوْ مُكَذِّبًا بِالجَزاءِ إنْ حُمِلَ الدِّينُ عَلى مَعْنى الجَزاءِ، وجُمْلَةُ (﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ﴾) مُسْتَأْنَفَةٌ لِلتَّهْدِيدِ والوَعِيدِ.
والدِّينُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى المِلَّةِ أوِ الشَّرِيعَةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: (﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩]) وقَوْلِهِ: (﴿ومَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا﴾ [آل عمران: ٨٥]) .
وعَلَيْهِ تَكُونُ الباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أيْ: فَمَن يُكَذِّبُكَ بَعْدَ هَذا بِسَبَبِ ما جِئْتَ بِهِ مِنَ الدِّينِ فاللَّهُ يَحْكُمُ فِيهِ. ومَعْنى (يُكَذِّبُكَ): يَنْسُبُكُ لِلْكَذِبِ بِسَبَبِ ما جِئْتَ بِهِ مِنَ الدِّينِ، أوْ ما أنْذَرْتَ بِهِ مِنَ الجَزاءِ، وأُسْلُوبُ هَذا التَّرْكِيبِ مُؤْذِنٌ بِأنَّهم لَمْ يَكُونُوا يَنْسُبُونَ النَّبِيءَ ﷺ إلى الكَذِبِ قَبْلَ أنْ يَجِيئَهم بِهَذا الدِّينِ.
صفحة ٤٣١
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الدِّينُ بِمَعْنى الجَزاءِ في الآخِرَةِ كَقَوْلِهِ: (﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤]) وقَوْلِهِ: ﴿يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الإنفطار: ١٥] وتَكُونُ الباءُ صِلَةَ (يُكَذِّبُ) كَقَوْلِهِ: (﴿وكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وهو الحَقُّ﴾ [الأنعام: ٦٦]) وقَوْلِهِ: (﴿قُلْ إنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وكَذَّبْتُم بِهِ﴾ [الأنعام: ٥٧]) .ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ (ما) مَوْصُولَةً وماصَدَقُها المُكَذِّبُ، فَهو بِمَعْنى (مَن)، وهي في مَحَلِّ مُبْتَدَأٍ، والخِطابُ لِلنَّبِيءِ ﷺ والضَّمِيرُ المُسْتَتِرُ في (يُكَذِّبُكَ) عائِدٌ إلى (ما) وهو الرّابِطُ لِلصِّلَةِ بِالمَوْصُولِ، والباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أيْ: يَنْسُبُكَ لِلْكَذِبِ بِسَبَبِ ما جِئْتَ بِهِ مِنَ الإسْلامِ أوْ مِن إثْباتِ البَعْثِ والجَزاءِ.
وحُذِفَ ما أُضِيفَ إلَيْهِ (بَعْدُ) فَبُنِيَتْ بَعْدُ عَلى الضَّمِّ، والتَّقْدِيرُ: بَعْدَ تَبَيُّنِ الحَقِّ أوْ بَعْدَ تَبَيُّنِ ما ارْتَضاهُ لِنَفْسِهِ مِن أسْفَلِ سافِلِينَ.
وجُمْلَةُ (﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ﴾) يَجُوزُ أنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ (ما) والرّابِطُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ فِيهِ.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ دَلِيلًا عَلى الخَبَرِ المُخْبَرِ بِهِ عَنْ (ما) المَوْصُولَةِ وحُذِفَ إيجازًا اكْتِفاءً بِذِكْرِ ما هو كالعِلَّةِ لَهُ، فالتَّقْدِيرُ: فالَّذِي يُكَذِّبُكَ بِالدِّينِ يَتَوَلّى اللَّهُ الِانْتِصافَ مِنهُ، ألَيْسَ اللَّهُ بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ. والِاسْتِفْهامُ تَقْرِيرِيٌّ.
و(أحْكَمُ) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنَ الحُكْمِ، أيْ: أقْضى القُضاةِ. ومَعْنى التَّفْضِيلِ أنَّ حُكْمَهُ أسَدُّ وأنْفَذُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنَ الحِكْمَةِ. والمَعْنى: أنَّهُ أقْوى الحاكِمِينَ حِكْمَةً في قَضائِهِ بِحَيْثُ لا يُخالِطُ حُكْمَهُ تَفْرِيطٌ في شَيْءٍ مِنَ المَصْلَحَةِ، ونَوْطُ الخَبَرِ بِذِي وصْفٍ يُؤْذِنُ بِمُراعاةِ خَصائِصِ المَعْنى المُشْتَقِّ مِنهُ الوَصْفُ، فَلَمّا أخْبَرَ عَنِ اللَّهِ بِأنَّهُ أفْضَلُ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ، عُلِمَ أنَّ اللَّهَ يَفُوقُ قَضاؤُهُ كُلَّ قَضاءٍ في خَصائِصِ القَضاءِ وكَمالاتِهِ، وهي: إصابَةُ الحَقِّ، وقَطْعُ دابِرِ الباطِلِ، وإلْزامُ كُلِّ مَن يَقْضِي عَلَيْهِ بِالِامْتِثالِ لِقَضائِهِ والدُّخُولِ تَحْتَ حُكْمِهِ.
صفحة ٤٣٢
رَوى التِّرْمِذِيُّ وأبُو داوُدَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”«مَن قَرَأ مِنكم (﴿والتِّينِ والزَّيْتُونِ﴾ [التين: ١]) فانْتَهى إلى قَوْلِهِ: (﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ﴾) فَلْيَقُلْ: بَلى وأنا عَلى ذَلِكَ مِنَ الشّاهِدَيْنِ» “ .* * *
صفحة ٤٣٣
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِسُورَةُ العَلَقِ
اشْتُهِرَتْ تَسْمِيَةُ هَذِهِ السُّورَةِ في عَهْدِ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ بِاسْمِ (سُورَةِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)، رُوِيَ في المُسْتَدْرَكِ عَنْ عائِشَةَ ”أوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ القُرْآنِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ“ فَأخْبَرَتْ عَنِ السُّورَةِ بِـ (﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق: ١]) . ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وأبِي رَجاءٍ العُطارِدِيِّ ومُجاهِدٍ والزُّهْرِيِّ، وبِذَلِكَ عَنْوَنَها التِّرْمِذِيُّ.
وسُمِّيَتْ في المَصاحِفِ ومُعْظَمِ التَّفاسِيرِ (سُورَةَ العَلَقِ) لِوُقُوعِ لَفْظِ (العَلَقِ) في أوائِلِها، وكَذَلِكَ سُمِّيَتْ في بَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ.
وعَنْوَنَها البُخارِيُّ (﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: ١]) .
وتُسَمّى (سُورَةَ اقْرَأْ)، وسَمّاها الكَواشِيُّ في التَّخْلِيصِ (سُورَةَ اقْرَأْ والعَلَقِ) .
وعَنْوَنَها ابْنُ عَطِيَّةَ وأبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ (سُورَةَ القَلَمِ) وهَذا اسْمٌ سُمِّيَتْ بِهِ (سُورَةُ ن والقَلَمِ)، ولَكِنَّ الَّذِينَ جَعَلُوا اسْمَ هَذِهِ السُّورَةِ (سُورَةَ القَلَمِ) يُسَمُّونَ الأُخْرى (سُورَةَ ن) . ولَمْ يَذْكُرْها في الإتْقانِ في عِدادِ السُّوَرِ ذاتِ أكْثَرَ مِنِ اسْمٍ.
وهِيَ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفاقٍ.
وهِيَ أوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ في القُرْآنِ كَما ثَبَتَ في الأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ الواضِحَةِ، ونَزَلَ أوَّلُها بِغارِ حِراءٍ عَلى النَّبِيءِ ﷺ وهو مُجاوِرٌ فِيهِ في رَمَضانَ لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنهُ مِن سَنَةِ أرْبَعِينَ بَعْدَ الفِيلِ إلى قَوْلِهِ: (﴿عَلَّمَ الإنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ٥]) . ثَبَتَ ذَلِكَ في الأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ عائِشَةَ. وفِيهِ حَدِيثٌ عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ، وهو الَّذِي قالَهُ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ والخَلَفِ.
صفحة ٤٣٤
وعَنْ جابِرٍ: أوَّلُ سُورَةٍ المُدَّثِّرُ، وتُؤُوِّلَ بِأنَّ كَلامَهُ نَصَّ أنَّ سُورَةَ المُدَّثِّرِ أوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْرَةِ الوَحْيِ كَما في الإتْقانِ كَما أنَّ سُورَةَ الضُّحى نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْرَةِ الوَحْيِ الثّانِيَةِ.وعَدَدُ آيِها في عَدِّ أهْلِ المَدِينَةِ ومَكَّةَ عِشْرُونَ، وفي عَدِّ أهْلِ الشّامِ ثَمانِ عَشْرَةَ، وفي عَدِّ أهْلِ الكُوفَةِ والبَصْرَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ.
* * *
تَلْقِينُ مُحَمَّدٍ ﷺ الكَلامَ القُرْآنِيَّ وتِلاوَتَهُ، إذْ كانَ لا يَعْرِفُ التِّلاوَةَ مِن قَبْلُ.والإيماءُ إلى أنَّ عِلْمَهُ بِذَلِكَ مُيَسَّرٌ؛ لِأنَّ اللَّهَ الَّذِي ألْهَمَ البَشَرَ العِلْمَ بِالكِتابَةِ قادِرٌ عَلى تَعْلِيمِ مَن يَشاءُ ابْتِداءً.
وإيماءٌ إلى أنَّ أُمَّتَهُ سَتَصِيرُ إلى مَعْرِفَةِ القِراءَةِ والكِتابَةِ والعِلْمِ.
وتَوْجِيهُهُ إلى النَّظَرِ في خَلْقِ اللَّهِ المَوْجُوداتِ، وخاصَّةً خَلْقَهُ الإنْسانَ خَلْقًا عَجِيبًا مُسْتَخْرَجًا مِن عَلَقَةٍ، فَذَلِكَ مَبْدَأُ النَّظَرِ.
وتَهْدِيدُ مَن كَذَّبَ النَّبِيءَ ﷺ وتَعَرَّضَ لِيَصُدَّهُ عَنِ الصَّلاةِ والدَّعْوَةِ إلى الهُدى والتَّقْوى.
وإعْلامُ النَّبِيءِ ﷺ أنَّ اللَّهَ عالِمٌ بِأمْرِ مَن يُناوُونَهُ، وأنَّهُ قامِعُهم وناصِرُ رَسُولِهِ.
وتَثْبِيتُ الرَّسُولِ عَلى ما جاءَهُ مِنَ الحَقِّ والصَّلاةِ والتَّقَرُّبِ إلى اللَّهِ.
وأنْ لا يَعْبَأ بِقُوَّةِ أعْدائِهِ؛ لِأنَّ قُوَّةَ اللَّهِ تَقْهَرُهم.