﴿لا تُطِعْهُ واسْجُدْ واقْتَرِبْ﴾

هَذا فَذْلَكَةٌ لِلْكَلامِ المُتَقَدِّمِ مِن قَوْلِهِ: ﴿أرَأيْتَ الَّذِي يَنْهى﴾ [العلق: ٩] ﴿عَبْدًا إذا صَلّى﴾ [العلق: ١٠]، أيْ: لا تَتْرُكْ صَلاتَكَ في المَسْجِدِ الحَرامِ ولا تَخْشَ مِنهُ.

وأُطْلِقَتِ الطّاعَةُ عَلى الحَذَرِ الباعِثِ عَلى الطّاعَةِ عَلى طَرِيقِ المَجازِ المُرْسَلِ؛ والمَعْنى: لا تَخَفْهُ ولا تَحْذَرْهُ فَإنَّهُ لا يَضُرُّكَ.

وأكَّدَ قَوْلَهُ: ﴿لا تُطِعْهُ﴾ بِجُمْلَةِ (واسْجُدْ) اهْتِمامًا بِالصَّلاةِ.

وعَطَفَ عَلَيْهِ ”واقْتَرِبْ“ لِلتَّنْوِيهِ بِما في الصَّلاةِ مِن مَرْضاةِ اللَّهِ تَعالى بِحَيْثُ جَعَلَ المُصَلِّيَ مُقْتَرِبًا مِنَ اللَّهِ تَعالى.

والِاقْتِرابُ: افْتِعالٌ مِنَ القُرْبِ، عَبَّرَ بِصِيغَةِ الِافْتِعالِ لِما فِيها مِن مَعْنى التَّكَلُّفِ والتَّطَلُّبِ، أيِ: اجْتَهَدَ في القُرْبِ إلى اللَّهِ بِالصَّلاةِ.

* * *

صفحة ٤٥٤

صفحة ٤٥٥

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ القَدْرِ

سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ في المَصاحِفِ وكُتُبِ التَّفْسِيرِ وكُتُبِ السُّنَّةِ (سُورَةَ القَدْرِ) وسَمّاها ابْنُ عَطِيَّةَ في تَفْسِيرِهِ وأبُو بَكْرٍ الجَصّاصُ في أحْكامِ القُرْآنِ (سُورَةَ لَيْلَةِ القَدْرِ) .

وهِيَ مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ الجُمْهُورِ وهو قَوْلُ جابِرِ بْنِ زَيْدٍ ويُرْوى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا والضَّحّاكِ أنَّها مَدَنِيَّةٌ، ونَسَبَهُ القُرْطُبِيُّ إلى الأكْثَرِ. وقالَ الواقِدِيُّ: هي أوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ ويُرَجِّحُهُ أنَّ المُتَبادِرَ أنَّها تَتَضَمَّنُ التَّرْغِيبَ في إحْياءِ لَيْلَةِ القَدْرِ، وإنَّما كانَ ذَلِكَ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضانَ بَعْدَ الهِجْرَةِ.

وقَدْ عَدَّها جابِرُ بْنُ زَيْدٍ الخامِسَةَ والعِشْرِينَ في تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ عَبَسَ وقَبْلَ سُورَةِ الشَّمْسِ، فَأمّا قَوْلُ مَن قالُوا إنَّها مَدَنِيَّةٌ فَيَقْتَضِي أنْ تَكُونَ نَزَلَتْ بَعْدَ المُطَفِّفِينَ وقَبْلَ البَقَرَةِ.

وآياتُها خَمْسٌ في العَدَدِ المَدَنِيِّ والبَصْرِيِّ والكُوفِيِّ وسِتٌّ في العَدِّ المَكِّيِّ والشّامِيِّ.

* * *

التَّنْوِيهُ بِفَضْلِ القُرْآنِ وعَظَمَتِهِ بِإسْنادِ إنْزالِهِ إلى اللَّهِ تَعالى. . .

والرَّدُّ عَلى الَّذِينَ جَحَدُوا أنْ يَكُونَ القُرْآنُ مُنَزَّلًا مِنَ اللَّهِ تَعالى.

ورَفْعُ شَأْنِ الوَقْتِ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ ونُزُولُ المَلائِكَةِ في لَيْلَةِ إنْزالِهِ.

صفحة ٤٥٦

وتَفْضِيلُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تُوافِقُ لَيْلَةَ إنْزالِهِ مِن كُلِّ عامٍ.

ويَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ تَحْرِيرُ المُسْلِمِينَ عَلى تَحَيُّنِ لَيْلَةِ القَدْرِ بِالقِيامِ والتَّصَدُّقِ.