﴿أفَلا يَعْلَمُ إذا بُعْثِرَ ما في القُبُورِ﴾ ﴿وحُصِّلَ ما في الصُّدُورِ﴾

فُرِّعَ عَلى الإخْبارِ بِكُنُودِ الإنْسانِ وشُحِّهِ اسْتِفْهامٌ إنْكارِيٌّ عَنْ عَدَمِ عِلْمِ الإنْسانِ بِوَقْتِ بَعْثَرَةِ ما في القُبُورِ وتَحْصِيلِ ما في الصُّدُورِ، فَإنَّهُ أمْرٌ عَجِيبٌ كَيْفَ يَغْفُلُ عَنْهُ الإنْسانُ. وهَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ قُدِّمَتْ عَلى فاءِ التَّعْرِيفِ؛ لِأنَّ للِاسْتِفْهامَ صَدْرَ الكَلامِ.

وانْتَصَبَ (إذا) عَلى الظَّرْفِيَّةِ لِمَفْعُولِ (يَعْلَمُ) المَحْذُوفِ اقْتِصارًا، لِيَذْهَبَ السّامِعُ في تَقْدِيرِهِ كُلَّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ قَصْدًا لِلتَّهْوِيلِ.

والمَعْنى: ألا يَعْلَمُ العَذابَ جَزاءً لَهُ عَلى ما في كُنُودِهِ وبُخْلِهِ مِن جِنايَةٍ مُتَفاوِتَةِ المِقْدارِ إلى حَدِّ إيجابِ الخُلُودِ في النّارِ.

وحُذِفَ مَفْعُولا (يَعْلَمُ) ولا دَلِيلَ في اللَّفْظِ عَلى تَعْيِينِ تَقْدِيرِهِما، فَيُوكَلُ إلى السّامِعِ تَقْدِيرُ ما يَقْتَضِيهِ المَقامُ مِنَ الوَعِيدِ والتَّهْوِيلِ، ويُسَمّى هَذا الحَذْفُ عِنْدَ النُّحاةِ الحَذْفَ الِاقْتِصارِيَّ، وحَذْفُ كِلا المَفْعُولَيْنِ اقْتِصارًا جائِزٌ عِنْدَ جُمْهُورِ النُّحاةِ، وهو التَّحْقِيقُ وإنْ كانَ سِيبَوَيْهِ يَمْنَعُهُ.

وبُعْثِرَ: مَعْناهُ قُلِبَ مِن سُفْلٍ إلى عُلُوٍّ، والمُرادُ بِهِ إحْياءُ ما في القُبُورِ مِنَ الأمْواتِ الكامِلَةِ الأجْسادِ أوْ أجْزائِها، وتَقَدَّمَ بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذا القُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ [الإنفطار: ٤] في سُورَةِ الِانْفِطارِ.

وحُصِّلَ: جُمِعَ وأُحْصِيَ. وما في الصُّدُورِ: هو ما في النُّفُوسِ مِن ضَمائِرَ وأخْلاقٍ، أيْ: جُمِعَ عَدُّهُ والحِسابُ عَلَيْهِ.