Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
( ﴿إنَّها عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ﴾ ﴿فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٌ﴾ .
هَذِهِ جُمْلَةٌ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ صِفَةً ثالِثَةً لِـ ﴿نارُ اللَّهِ﴾ [الهمزة: ٦] بِدُونِ عاطِفٍ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنافًا ابْتِدائِيًّا، وتَأْكِيدُها بِـ (إنَّ) لِتَهْوِيلِ الوَعِيدِ بِما يَنْفِي عَنْهُ احْتِمالَ المَجازِ أوِ المُبالَغَةِ.
ومُوصَدَةٌ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِن أوْصَدَ البابَ، إذا أغْلَقَهُ غَلْقًا مُطْبَقًا. ويُقالُ: آصَدَ بِهَمْزَتَيْنِ إحْداهُما أصْلِيَّةٌ والأُخْرى هَمْزَةُ التَّعْدِيَةِ، ويُقالُ: أصَدَ البابَ فِعْلًا ثُلاثِيًّا، ولا يُقالُ: وصَدَ بِالواوِ بِمَعْنى أغْلَقَ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (مُوصَدَةٌ) بِواوٍ بَعْدَ المِيمِ عَلى تَخْفِيفِ الهَمْزَةِ. وقَرَأهُ أبُو عَمْرٍو وحَمْزَةُ وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ ويَعْقُوبُ وخَلَفٌ بِهَمْزَةٍ ساكِنَةٍ بَعْدَ المِيمِ المَضْمُومَةِ.
ومَعْنى إيصادِها عَلَيْهِمْ: مُلازَمَةُ العَذابِ واليَأْسُ مِنَ الإفْلاتِ مِنهُ، كَحالِ المَساجِينِ الَّذِينَ أُغْلِقَ عَلَيْهِمْ بابُ السِّجْنِ، تَمْثِيلُ تَقْرِيبٍ لِشِدَّةِ العَذابِ بِما هو مُتَعارَفٌ في أحْوالِ النّاسِ، وحالُ عَذابِ جَهَنَّمَ أشَدُّ مِمّا يَبْلُغُهُ تَصَوُّرُ العُقُولِ المُعْتادُ.
وقَوْلُهُ: ﴿فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ حالٌ: إمّا مِن ضَمِيرِ (عَلَيْهِمْ) أيْ: في حالِ كَوْنِهِمْ في عَمَدٍ، أيْ: مَوْثُوقِينَ في عَمَدٍ كَما يُوثَقُ المَسْجُونُ المُغْلَظُ عَلَيْهِ مِن رِجْلَيْهِ في فَلْقَةٍ ذاتِ ثَقْبٍ يُدْخَلُ في رِجْلِهِ أوْ في عُنُقِهِ كالقِرامِ. وإمّا حالٌ مِن ضَمِيرِ (إنَّها)
صفحة ٥٤٢
أيْ أنَّ النّارَ المُوقَدَةَ في عَمَدٍ، أيْ: مُتَوَسِّطَةٌ عَمَدًا كَما تَكُونُ نارُ الشِّواءِ، إذْ تُوضَعُ عُمَدٌ وتُجْعَلُ النّارُ تَحْتَها تَمْثِيلًا لِأهْلِها بِالشِّواءِ.و(عَمَدٍ) قَرَأهُ الجُمْهُورُ بِفَتْحَتَيْنِ عَلى أنَّهُ اسْمُ جَمْعِ عَمُودٍ مِثْلَ: أدِيمٍ وأُدُمٍ، وقَرَأهُ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ وخَلَفٌ (عُمُدٍ) بِضَمَّتَيْنِ وهو جَمْعُ عَمُودٍ، والعَمُودُ: خَشَبَةٌ غَلِيظَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ.
والمُمَدَّدَةُ: المَجْعُولَةُ طَوِيلَةً جِدًّا، وهو اسْمُ مَفْعُولٍ مِن مَدَّدَهُ، إذا بالَغَ في مَدِّهِ، أيِ: الزِّيادَةُ فِيهِ.
وكُلُّ هَذِهِ الأوْصافِ تَقْوِيَةٌ لِتَمْثِيلِ شِدَّةِ الإغْلاظِ عَلَيْهِمْ بِأقْصى ما يَبْلُغُهُ مُتَعارَفُ النّاسِ مِنَ الأحْوالِ.
* * *
صفحة ٥٤٣
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِسُورَةُ الفِيلِ
ورَدَتْ تَسْمِيَتُها في كَلامِ بَعْضِ السَّلَفِ سُورَةَ (ألَمْ تَرَ) . رَوى القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِ (سُورَةِ قُرَيْشٍ) عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قالَ: صَلَّيْتُ المَغْرِبَ خَلْفَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ فَقَرَأ في الرَّكْعَةِ الثّانِيَةِ (ألَمْ تَرَ) و(لِإيلافِ قُرَيْشٍ) . وكَذَلِكَ عَنْوَنَها البُخارِيُّ. وسُمِّيَتْ في جَمِيعِ المَصاحِفِ وكُتُبِ التَّفْسِيرِ (سُورَةَ الفِيلِ) .
وهِيَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفاقِ.
وقَدْ عُدَّتِ التّاسِعَةَ عَشْرَةَ في تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ. نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ (قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ) وقَبْلَ (سُورَةِ الفَلَقِ) . وقِيلَ: قَبْلَ (سُورَةِ قُرَيْشٍ) لِقَوْلِ الأخْفَشِ إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿لِإيلافِ قُرَيْشٍ﴾ [قريش: ١] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿فَجَعَلَهم كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ [الفيل: ٥] ولِأنَّ أُبِيَّ بْنَ كَعْبٍ جَعَلَها وسُورَةَ قُرَيْشٍ سُورَةً واحِدَةً في مُصْحَفِهِ ولَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُما بِالبَسْمَلَةِ، ولِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ المَذْكُورِ آنِفًا: رَوى أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ قَرَأ مَرَّةً في المَغْرِبِ في الرَّكْعَةِ الثّانِيَةِ سُورَةَ الفِيلِ وسُورَةَ قُرَيْشٍ، أيْ: ولَمْ يَكُنِ الصَّحابَةُ يَقْرَءُونَ في الرَّكْعَةِ مِن صَلاةِ الفَرْضِ سُورَتَيْنِ؛ لِأنَّ السُّنَّةَ قِراءَةُ الفاتِحَةِ وسُورَةٍ، فَدَلَّ أنَّهُما عِنْدَهُ سُورَةٌ واحِدَةٌ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ سُورَةُ قُرَيْشٍ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الفَلَقِ وأُلْحِقَتْ بِسُورَةِ الفِيلِ، فَلا يَتِمُّ الِاحْتِجاجُ بِما في مُصْحَفِ أُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ ولا بِما رَواهُ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ.
وآيُها خَمْسٌ.
* * *
وقَدْ تَضَمَّنَتِ التَّذْكِيرَ بِأنَّ الكَعْبَةَ حَرَمُ اللَّهِ، وأنَّ اللَّهَ حَماهُ مِمَّنْ أرادُوا بِهِ سُوءًا أوْصفحة ٥٤٤
أظْهَرَ غَضَبَهُ عَلَيْهِمْ فَعَذَّبَهم لِأنَّهم ظَلَمُوا بِطَمَعِهِمْ في هَدْمِ مَسْجِدِ إبْراهِيمَ وهو عِنْدَهم في كِتابِهِمْ، وذَلِكَ ما سَمّاهُ اللَّهُ كَيْدًا، ولِيَكُونَ ما حَلَّ بِهِمْ تَذْكِرَةً لِقُرَيْشٍ بِأنَّ فاعِلَ ذَلِكَ هو رَبُّ ذَلِكَ البَيْتِ وأنْ لا حَظَّ فِيهِ لِلْأصْنامِ الَّتِي نَصَبُوها حَوْلَهُ.وتَنْبِيهُ قُرَيْشٍ أوْ تَذْكِيرُهم بِما ظَهَرَ مِن كَرامَةِ النَّبِيءِ ﷺ عِنْدَ اللَّهِ، إذْ أهْلَكَ أصْحابَ الفِيلِ في عامِ وِلادَتِهِ.
ومِن وراءِ ذَلِكَ تَثْبِيتُ النَّبِيءِ ﷺ بِأنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ عَنْهُ كَيْدَ المُشْرِكِينَ، فَإنَّ الَّذِي دَفَعَ كَيْدَ مَن يَكِيدُ لِبَيْتِهِ لَأحَقُّ بِأنْ يَدْفَعَ كَيْدَ مَن يَكِيدُ لِرَسُولِهِ ﷺ ودِينِهِ ويُشْعِرُ بِهَذا قَوْلُهُ: ﴿ألَمْ نَجْعَلْ كَيْدَهم في تَضْلِيلٍ﴾ [الفيل: ٢] .
ومِن وراءِ ذَلِكَ كُلِّهِ التَّذْكِيرُ بِأنَّ اللَّهَ غالِبٌ عَلى أمْرِهِ، وأنْ لا تَغُرَّ المُشْرِكِينَ قُوَّتُهم ووَفْرَةُ عَدَدِهِمْ ولا يُوهِنُ النَّبِيءَ ﷺ تَألَّبُ قَبائِلِهِمْ عَلَيْهِ فَقَدْ أهْلَكَ اللَّهُ مَن هو أشَدُّ مِنهم قُوَّةً وأكْثَرُ جَمْعًا.
ولَمْ يَتَكَرَّرْ في القُرْآنِ ذِكْرُ إهْلاكِ أصْحابِ الفِيلِ خِلافًا لِقِصَصِ غَيْرِهِمْ مِنَ الأُمَمِ لِوَجْهَيْنِ: أحَدُهُما أنَّ هَلاكَ أصْحابِ الفِيلِ لَمْ يَكُنْ لِأجْلِ تَكْذِيبِ رَسُولٍ مِنَ اللَّهِ، وثانِيهِما أنْ لا يَتَّخِذَ مِنهُ المُشْرِكُونَ غُرُورًا بِمَكانَةٍ لَهم عِنْدَ اللَّهِ كَغُرُورِهِمْ بِقَوْلِهِمْ المَحْكِيِّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ كَمَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾ [التوبة: ١٩] الآيَةَ، وقَوْلِهِ: ﴿وهم يَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ وما كانُوا أوْلِياءَهُ إنْ أوْلِياؤُهُ إلّا المُتَّقُونَ ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٣٤] .