Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم يُراءُونَ﴾ ﴿ويَمْنَعُونَ الماعُونَ﴾
مَوْقِعُ الفاءِ صَرِيحٌ في اتِّصالِ ما بَعْدَها بِما قَبْلَها مِنَ الكَلامِ عَلى مَعْنى التَّفْرِيعِ والتَّرْتِيبِ والتَّسَبُّبِ.
صفحة ٥٦٧
فَيَجِيءُ عَلى القَوْلِ أنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ بِأجْمَعِها أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالمُصَلِّينَ عَيْنَ المُرادِ بِالَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، ويَدُعُّ اليَتِيمَ، ولا يَحُضُّ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ، فَقَوْلُهُ (لِلْمُصَلِّينَ) إظْهارٌ في مَقامِ الإضْمارِ، كَأنَّهُ قِيلَ: فَوَيْلٌ لَهُ عَلى سَهْوِهِ عَنِ الصَّلاةِ، وعَلى الرِّياءِ، وعَلى مَنعِ الماعُونِ، دَعا إلَيْهِ زِيادَةُ تِعْدادِ صِفاتِهِ الذَّمِيمَةِ بِأُسْلُوبٍ سَلِيمٍ عَنْ تَتابُعِ سِتِّ صِفاتٍ؛ لِأنَّ ذَلِكَ التَّتابُعَ لا يَخْلُو مِن كَثْرَةِ تِكْرارِ النَّظائِرِ فَيُشْبِهُ تَتابُعَ الإضافاتِ الَّذِي قِيلَ إنَّهُ مُناكِدٌ لِلْفَصاحَةِ، مَعَ الإشارَةِ بِتَوْسِيطِ ويْلٌ لَهُ إلى أنَّ الوَيْلَ ناشِئٌ عَنْ جَمِيعِ تِلْكَ الصِّفاتِ الَّتِي هو أهْلُها، وهَذا المَعْنى أشارَ إلَيْهِ كَلامُ الكَشّافِ بِغُمُوضٍ.فَوَصْفُهم بِـ (المُصَلِّينَ) إذَنْ تَهَكُّمٌ، والمُرادُ عَدَمُهُ، أيِ: الَّذِينَ لا يُصَلُّونَ، أيْ: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ﴾ [المدثر: ٤٣] وقَرِينَةُ التَّهَكُّمِ وصْفُهم بِـ ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ .
وعَلى القَوْلِ بِأنَّها مَدَنِيَّةٌ أوْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ وما بَعْدَها مِنها مَدَنِيَّةٌ يَكُونُ المُرادُ بِـ المُصَلِّينَ الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ المُنافِقِينَ. ورَوى هَذا ابْنُ وهْبٍ وأشْهَبُ عَنْ مالِكٍ فَتَكُونُ الفاءُ في قَوْلِهِ: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ مِن هَذِهِ الجُمْلَةِ لِرَبْطِها بِما قَبْلَها؛ لِأنَّ اللَّهَ أرادَ ارْتِباطَ هَذا الكَلامِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ.
وجِيءَ في هَذِهِ الصِّفَةِ بِصِيغَةِ الجَمْعِ؛ لِأنَّ المُرادَ بِـ ﴿الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ [الماعون: ١]: جِنْسُ المُكَذِّبِينَ عَلى أظْهَرِ الأقْوالِ. فَإنْ كانَ المُرادُ بِهِ مُعَيَّنًا عَلى بَعْضِ تِلْكَ الأقْوالِ المُتَقَدِّمَةِ كانَتْ صِيغَةُ الجَمْعِ تَذْلِيلًا يَشْمَلُهُ وغَيْرَهُ، فَإنَّهُ واحِدٌ مِنَ المُتَّصِفِينَ بِصِفَةِ تَرْكِ الصَّلاةِ وصِفَةِ الرِّياءِ، وصِفَةِ مَنعِ الماعُونِ.
وقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ صِفَةٌ لِلْمُصَلِّينَ مُقَيِّدَةٌ لِحُكْمِ المَوْصُوفِ، فَإنَّ الوَيْلَ لِلْمُصَلِّي السّاهِي عَنْ صَلاتِهِ لا لِلْمُصَلِّي عَلى الإطْلاقِ.
فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ تَرْشِيحًا لِلتَّهَكُّمِ الواقِعِ في إطْلاقِ وصْفِ المُصَلِّينَ عَلَيْهِمْ.
وعُدِّيَ (ساهُونَ) بِحَرْفِ (عَنْ) لِإفادَةِ أنَّهم تَجاوَزُوا إقامَةَ صَلاتِهِمْ وتَرَكُوها ولا عَلاقَةَ لِهَذِهِ الآيَةِ بِأحْكامِ السَّهْوِ في الصَّلاةِ.
صفحة ٥٦٨
وقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ الَّذِينَ لا يُؤَدُّونَ الصَّلاةَ إلّا رِياءً فَإذا خَلَوْا تَرَكُوا الصَّلاةَ.ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ: الَّذِينَ يُصَلُّونَ دُونَ نِيَّةٍ وإخْلاصٍ فَهم في حالَةِ الصَّلاةِ بِمَنزِلَةِ السّاهِي عَمّا يَفْعَلُ، فَيَكُونُ إطْلاقُ (ساهُونَ) تَهَكُّمًا كَما قالَ تَعالى: ﴿يُراءُونَ النّاسَ ولا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ١٤٢] في المُنافِقِينَ في سُورَةِ النِّساءِ.
ويُراءُونَ يَقْصِدُونَ أنْ يَرى النّاسُ أنَّهم عَلى حالٍ حَسَنٍ وهم بِخِلافِهِ لِيَتَحَدَّثَ النّاسُ لَهم بِمَحاسِنَ، ما هم بِمَوْصُوفِينَ بِها، ولِذَلِكَ كَثُرَ أنْ تُعْطَفَ السُّمْعَةُ عَلى الرِّياءِ فَيُقالُ: رِياءٌ وسُمْعَةٌ. وهَذا الفِعْلُ وارِدٌ في الكَلامِ عَلى صِيغَةِ المُفاعَلَةِ ولَمْ يُسْمَعْ مِنهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ؛ لِأنَّهُ يُلازِمُهُ تَكْرِيرُ الإراءَةِ.
والماعُونُ: يُطْلَقُ عَلى الإعانَةِ بِالمالِ، فالمَعْنى: يَمْنَعُونَ فَضْلَهم أوْ يَمْنَعُونَ الصَّدَقَةَ عَلى الفُقَراءِ. فَقَدْ كانَتِ الصَّدَقَةُ واجِبَةً في صَدْرِ الإسْلامِ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ قَبْلَ مَشْرُوعِيَّةِ الزَّكاةِ.
وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ وابْنُ شِهابٍ: الماعُونُ المالُ بِلِسانِ قُرَيْشٍ.
ورَوى أشْهَبُ عَنْ مالِكٍ: الماعُونُ الزَّكاةُ، ويَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الرّاعِي:
قَوْمٌ عَلى الإسْلامِ لَمّا يَمْنَعُوا ماعُونَهم ويُضَيِّعُوا التَّهْلِيلا
لِأنَّهُ أرادَ بِالتَّهْلِيلِ الصَّلاةَ، فَجَمَعَ بَيْنَها وبَيْنَ الزَّكاةِ.ويُطْلَقُ عَلى ما يُسْتَعانُ بِهِ عَلى عَمَلِ البَيْتِ مِن آنِيَةٍ وآلاتِ طَبْخٍ وشَدٍّ وحَفْرٍ ونَحْوِ ذَلِكَ مِمّا لا خَسارَةَ عَلى صاحِبِهِ في إعارَتِهِ وإعْطائِهِ، وعَنْ عائِشَةَ: الماعُونُ الماءُ والنّارُ والمِلْحُ. وهَذا ذَمٌّ لَهم بِمُنْتَهى البُخْلِ. وهو الشُّحُّ بِما لا يَرْزَؤُهم.
وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى الخَبَرِ الفِعْلِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿هم يُراءُونَ﴾ لِتَقْوِيَةِ الحُكْمِ، أيْ: تَأْكِيدِهِ.
فَأمّا عَلى القَوْلِ بِأنَّ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ أوْ بِأنَّ هَذِهِ الآياتِ الثَّلاثَ مَدَنِيَّةٌ يَكُونُ المُرادُ بِالمُصَلِّينَ ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾، والصِّلاتِ بَعْدَها: المُنافِقِينَ،
صفحة ٥٦٩
فَإطْلاقُ المُصَلِّينَ عَلَيْهِمْ بِمَعْنى المُتَظاهِرِينَ بِأنَّهم يُصَلُّونَ وهو مِن إطْلاقِ الفِعْلِ عَلى صُورَتِهِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَحْذَرُ المُنافِقُونَ أنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ﴾ [التوبة: ٦٤] أيْ: يُظْهِرُونَ أنَّهم يَحْذَرُونَ تَنْزِيلَ سُورَةٍ.﴿ويَمْنَعُونَ الماعُونَ﴾ أيِ: الصَّدَقَةَ أوِ الزَّكاةَ، قالَ تَعالى في المُنافِقِينَ ﴿ويَقْبِضُونَ أيْدِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] فَلَمّا عُرِفُوا بِهَذِهِ الخِلالِ كانَ مُفادُ فاءِ التَّفْرِيعِ أنَّ أُولَئِكَ المُتَظاهِرِينَ بِالصَّلاةِ وهم تارِكُوها في خاصَّتِهِمْ هم مِن جُمْلَةِ المُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ ويَدُعُّونَ اليَتِيمَ ولا يَحُضُّونَ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ.
وحَكى هِبَةُ اللَّهِ بْنُ سَلامَةَ في كِتابِ النّاسِخِ والمَنسُوخِ: أنَّ هَذِهِ الآياتِ الثَّلاثَ نَزَلَتْ في عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، أيْ: فَإطْلاقُ صِيغَةِ الجَمْعِ عَلَيْهِ مُرادٌ بِها واحِدٌ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٠٥] أيِ: الرَّسُولَ إلَيْهِمْ.
والسَّهْوُ حَقِيقَتُهُ: الذُّهُولُ عَنْ أمْرٍ سَبَقَ عِلْمُهُ، وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِلْإعْراضِ والتَّرْكِ عَنْ عَمْدٍ اسْتِعارَةً تَهَكُّمِيَّةً، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ٤١] أيْ: تُعْرِضُونَ عَنْهم، ومِثْلُهُ اسْتِعارَةُ الغَفْلَةِ لِلْإعْراضِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِأنَّهم كَذَّبُوا بِآياتِنا وكانُوا عَنْها غافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٦] في سُورَةِ الأعْرافِ وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ هم عَنْ آياتِنا غافِلُونَ﴾ [يونس: ٧] في سُورَةِ يُونُسَ، ولَيْسَ المَقْصُودُ الوَعِيدَ عَلى السَّهْوِ الحَقِيقِيِّ عَنِ الصَّلاةِ؛ لِأنَّ حُكْمَ النِّسْيانِ مَرْفُوعٌ عَلى هَذِهِ الأُمَّةِ، وذَلِكَ يُنادِي عَلى أنَّ وصْفَهم بِالمُصَلِّينَ تَهَكُّمٌ بِهِمْ بِأنَّهم لا يُصَلُّونَ.
واعْلَمْ أنَّهُ إذا أرادَ اللَّهُ إنْزالَ شَيْءٍ مِن القُرْآنِ مُلْحَقًا بِشَيْءٍ قَبْلَهُ جَعَلَ نَظْمَ المُلْحَقِ مُناسِبًا لِما هو مُتَّصِلٌ بِهِ، فَتَكُونُ الفاءُ لِلتَّفْرِيعِ. وهَذِهِ نُكْتَةٌ لَمْ يَسْبِقْ لَنا إظْهارُها فَعَلَيْكَ مُلاحَظَتُها في كُلِّ ما ثَبَتَ أنَّهُ نَزَلَ مِن القُرْآنِ مُلْحَقًا بِشَيْءٍ نَزَلَ قَبْلَهُ مِنهُ.
* * *
صفحة ٥٧٠
صفحة ٥٧١
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِسُورَةُ الكَوْثَرِ
سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ في جَمِيعِ المَصاحِفِ الَّتِي رَأيْناها في جَمِيعِ التَّفاسِيرِ أيْضًا (سُورَةَ الكَوْثَرِ) وكَذَلِكَ عَنْوَنَها التِّرْمِذِيُّ في كِتابِ التَّفْسِيرِ مِن جامِعِهِ. وعَنْوَنَها البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ سُورَةَ (﴿إنّا أعْطَيْناكَ الكَوْثَرَ﴾ [الكوثر: ١]) ولَمْ يَعُدَّها في الإتْقانِ مَعَ السُّوَرِ الَّتِي لَيْسَ لَها أكْثَرُ مِنِ اسْمٍ.
ونَقَلَ سَعْدُ اللَّهِ الشَّهِيرُ بِسَعْدِيٍّ في حاشِيَتِهِ عَلى تَفْسِيرِ البَيْضاوِيِّ عَنِ البِقاعِيِّ أنَّها تُسَمّى (سُورَةَ النَّحْرِ) وهَلْ هي مَكِّيَّةٌ أوْ مَدَنِيَّةٌ ؟ تَعارَضَتِ الأقْوالُ والآثارُ في أنَّها مَكِّيَّةٌ أوْ مَدَنِيَّةٌ تَعارُضًا شَدِيدًا، فَهي مَكِّيَّةٌ عِنْدَ الجُمْهُورِ واقْتَصَرَ عَلَيْهِ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ، ونَقَلَ الخَفاجِيُّ عَنْ كِتابِ النَّشْرِ قالَ: أجْمَعَ مَن نَعْرِفُهُ عَلى أنَّها مَكِّيَّةٌ. قالَ الخَفاجِيُّ: وفِيهِ نَظَرٌ مَعَ وُجُودِ الِاخْتِلافِ فِيها.
وعَنِ الحَسَنِ ومُجاهِدٍ وقَتادَةَ وعِكْرِمَةَ هي مَدَنِيَّةٌ ويَشْهَدُ لَهم ما في صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ: «بَيْنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أظْهُرِنا، إذْ أغْفى إغْفاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وقالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿إنّا أعْطَيْناكَ الكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ إنَّ شانِئَكَ هو الأبْتَرُ﴾ [الكوثر: ١] ثُمَّ قالَ: أتَدْرُونَ ما الكَوْثَرُ ؟ قُلْنا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ. قالَ: فَإنَّهُ نَهَرٌ وعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هو حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ القِيامَةِ» الحَدِيثَ. وأنَسٌ أسْلَمَ في صَدْرِ الهِجْرَةِ فَإذا كانَ لَفْظُ (آنِفًا) في كَلامِ النَّبِيءِ ﷺ مُسْتَعْمَلًا في ظاهِرِ مَعْناهُ وهو الزَّمَنُ القَرِيبُ، فالسُّورَةُ نَزَلَتْ مُنْذُ وقْتٍ قَرِيبٍ مِن حُصُولِ تِلْكَ الرُّؤْيا.
ومُقْتَضى ما يُرْوى في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ شانِئَكَ هو الأبْتَرُ﴾ [الكوثر: ٣] أنْ تَكُونَ السُّورَةُ مَكِّيَّةً، ومُقْتَضى ظاهِرِ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: (وانْحَرْ) مِن أنَّ النَّحْرَ في الحَجِّ أوْ يَوْمِ الأضْحى - تَكُونُ السُّورَةُ مَدَنِيَّةً ويَبْعَثُ عَلى أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنَّ شانِئَكَ هو الأبْتَرُ﴾ [الكوثر: ٣]
صفحة ٥٧٢
لَيْسَ رَدًّا عَلى كَلامِ العاصِي بْنِ وائِلٍ كَما سَنُبَيِّنُ ذَلِكَ.والأظْهَرُ أنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ وعَلى هَذا سَنَعْتَمِدُ في تَفْسِيرِ آياتِها.
وعَلى القَوْلِ بِأنَّها مَكِّيَّةٌ عَدُّوها الخامِسَةَ عَشْرَةَ في عِدادِ نُزُولِ السُّوَرِ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ العادِياتِ وقَبْلَ سُورَةِ التَّكاثُرِ، وعَلى القَوْلِ بِأنَّها مَدَنِيَّةٌ فَقَدْ قِيلَ: إنَّها نَزَلَتْ في الحُدَيْبِيَةِ.
وعَدَدُ آيِها ثَلاثٌ بِالِاتِّفاقِ.
وهِيَ أقْصَرُ سُوَرِ القُرْآنِ عَدَدَ كَلِماتٍ وعَدَدَ حُرُوفٍ، وأمّا في عَدَدِ الآياتِ فَسُورَةُ العَصْرِ وسُورَةُ النَّصْرِ مِثْلُها، ولَكِنَّ كَلِماتِها أكْثَرُ.
* * *
اشْتَمَلَتْ عَلى بِشارَةِ النَّبِيءِ ﷺ بِأنَّهُ أُعْطِيَ الخَيْرَ الكَثِيرَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ.وأمْرِهِ بِأنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلى ذَلِكَ بِالإقْبالِ عَلى العِبادَةِ.
وأنَّ ذَلِكَ هو الكَمالُ الحَقُّ لا ما يَتَطاوَلُ بِهِ المُشْرِكُونَ عَلى المُسْلِمِينَ بِالثَّرْوَةِ والنِّعْمَةِ وهم مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّهم أبْغَضُوا رَسُولَهُ، وغَضَبُ اللَّهِ بَتْرٌ لَهم إذا كانُوا بِمَحَلِّ السُّخْطِ مِنَ اللَّهِ.
وإنَّ انْقِطاعَ الوَلَدِ الذَّكَرِ فَلَيْسَ بَتْرًا؛ لِأنَّ ذَلِكَ لا أثَرَ لَهُ في كَمالِ الإنْسانِ.