Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ٦١٧
﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾جُمْلَةٌ ثانِيَةٌ مَحْكِيَّةٌ بِالقَوْلِ المَحْكِيِّ بِهِ جُمْلَةُ ﴿اللَّهُ أحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١] فَهي خَبَرٌ ثانٍ عَنِ الضَّمِيرِ. والخَبَرُ المُتَعَدِّدُ يَجُوزُ عَطْفُهُ وفَصْلُهُ، وإنَّما فُصِلَتْ عَنِ الَّتِي قَبْلَها؛ لِأنَّ هَذِهِ الجُمَلَ مَسُوقَةٌ لِتَلْقِينِ السّامِعِينَ فَكانَتْ جَدِيرَةً بِأنْ تَكُونَ كُلُّ جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ بِذاتِها غَيْرَ مُلْحَقَةٍ بِالَّتِي قَبْلَها بِالعَطْفِ، عَلى طَرِيقَةِ إلْقاءِ المَسائِلِ عَلى المُتَعَلِّمِ نَحْوَ أنْ يَقُولَ: الحَوْزُ شَرْطُ صِحَّةِ الحَبْسِ، الحَوْزُ لا يَتِمُّ إلّا بِالمُعايَنَةِ، ونَحْوَ قَوْلِكَ: عَنْتَرَةُ مِن فُحُولِ الشُّعَراءِ، عَنْتَرَةُ مِن أبْطالِ الفُرْسانِ.
ولِهَذا الِاعْتِبارِ وقَعَ إظْهارُ اسْمِ الجَلالَةِ في قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ وكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ: هو الصَّمَدُ.
والصَّمَدُ: السَّيِّدُ الَّذِي لا يُسْتَغْنى عَنْهُ في المُهِمّاتِ، وهو سَيِّدُ القَوْمِ المُطاعُ فِيهِمْ.
قالَ في الكَشّافِ: وهو فَعَلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ مِن: صَمَدَ إلَيْهِ، إذا قَصَدَهُ، فالصَّمَدُ المَصْمُودُ في الحَوائِجِ. قُلْتُ: ونَظِيرُهُ السَّنَدُ الَّذِي تُسْنَدُ إلَيْهِ الأُمُورُ المُهِمَّةُ، والفَلَقُ اسْمُ الصَّباحِ لِأنَّهُ يَتَفَلَّقُ عَنْهُ اللَّيْلُ.
والصَّمَدُ: مِن صِفاتِ اللَّهِ، واللَّهُ هو الصَّمَدُ الحَقُّ الكامِلُ الصَّمَدِيَّةِ عَلى وجْهِ العُمُومِ.
فالصَّمَدُ مِنَ الأسْماءِ التِّسْعَةِ والتِّسْعِينَ في حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ. ومَعْناهُ: المُفْتَقِرُ إلَيْهِ كُلُّ ما عَداهُ، فالمَعْدُومُ مُفْتَقِرٌ وُجُودُهُ إلَيْهِ والمَوْجُودُ مُفْتَقِرٌ في شُئُونِهِ إلَيْهِ.
وقَدْ كَثُرَتْ عِباراتُ المُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ في مَعْنى الصَّمَدِ، وكُلُّها مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ هَذا المَعْنى الجامِعِ، وقَدْ أنْهاها فَخْرُ الدِّينِ إلى ثَمانِيَةَ عَشَرَ قَوْلًا، ويَشْمَلُ هَذا الِاسْمُ صِفاتِ اللَّهِ المَعْنَوِيَّةَ الإضافِيَّةَ وهي كَوْنُهُ تَعالى حَيًّا، عالِمًا، مُرِيدًا، قادِرًا، مُتَكَلِّمًا، سَمِيعًا، بَصِيرًا؛ لِأنَّهُ لَوِ انْتَفى عَنْهُ أحَدُ هَذِهِ الصِّفاتِ لَمْ يَكُنْ مَصْمُودًا إلَيْهِ.
صفحة ٦١٨
وصِيغَةُ ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ صِيغَةُ قَصْرٍ بِسَبَبِ تَعْرِيفِ المُسْنَدِ، فَتُفِيدُ قَصْرَ صِفَةِ الصَّمَدِيَّةِ عَلى اللَّهِ تَعالى، وهو قَصْرُ قَلْبٍ لِإبْطالِ ما تَعَوَّدَهُ أهْلُ الشِّرْكِ في الجاهِلِيَّةِ مِن دُعائِهِمْ أصْنامَهم في حَوائِجِهِمْ والفَزَعِ إلَيْها في نَوائِبِهِمْ حَتّى نَسُوا اللَّهَ. قالَ أبُو سُفْيانَ لَيْلَةَ فَتْحِ مَكَّةَ وهو بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيءِ ﷺ وقالَ لَهُ النَّبِيءُ ﷺ: «أما آنَ لَكَ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ ؟ لَقَدْ عَلِمْتُ أنْ لَوْ كانَ مَعَهُ إلَهٌ آخَرُ لَقَدْ أغْنى عَنِّي شَيْئًا» .