وبعد أن بين - سبحانه - أنه يجوز لرجل أن يأخذ من المرأة بعض ما أعاطاها من صداق إذا أتت بفاحشة مبينة . . عقب ذلك بببيان الحكم فيما إذا كان الفراق من جانب الزوج دون أن تكون المرأة قد أتت بفاحشة فقال - تعالى - ( وَإِنْ أَرَدْتُّمُ استبدال زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً ) والاستبدال : طلب البدل ، بأن يطلق الرجل امرأة ويتزوج بأخرى .والقنطار : أصله من قنطرت الشئ إذا رفعته . ومنه القنطرة ، لأنها بناء مرتفع مشيد . والمراد به هنا المال الكثيرة الذى هو أقصى ما يتصور من مهر يدفعه الرجل للمرأة .والمعنى : وإن أردتم أيها الأزواج ( استبدال زَوْجٍ ) أى تزوج امرأة ترغبون فيها " مكان زوج " أى مكان امرأة لا ترغبون فيها ، بل ترغبون فى طلاقها ( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً ) أى أعطى أحدكم إحدى الزوجات التى تريدون طلاقها مالا كثيراً على سبيل الصداق لها ( فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً ) أى فلا نأخذوا من المال الكثير الذى أعطيتموه لهن شيئا أياً كان هذا الشئ ، لأن فراقهن كان بسبب من جانبكم لا من جانبهن .وعبر - سبحانه - ب ( إِنْ ) التى تفيد الشك فى وقوع الفعل؛ للتنبيه على ان الإِرادة قد تكون غير سليمة ، وغير مبنية قوية ، فعلى الزوج أن يتريث ويتثبت ويحسن التدبر فى عواقب الأمور .والمراد بالزوج فى قوله ( استبدال زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ ) الجنس الذى يصدق على جميع الأزواج .والمراد من الإِيتاء فى قوله ( وَآتَيْتُمْ ) الالتزام والضمان . أى : التزمتم وضمنتم أن تؤتوا إحداهن هذا المال الكثير .والجملة حالية بتقدير قد . أي : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وحال أنكم قد آتيتم التى تريدون أن تطلقوها قنطاراً فلا تأخذونها منه شيئا .والاستفهام فى قوله ( أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ) للإِنكار والتوبيخ ، والبهتان : هو الكذب الذى يدهش ويحير لفظاعته . ويطلق على كل أمر كاذب يتحير العقل فى إدراك سببه أو لا يعرف مبررا لوقوعه ، كمن يعتدى على الناس ويتقول عليهم الأقاويل ، مع أنه ليست هناك عداوة سابقة بينه وبينهم .قال صاحب الكشاف : والبهتان : أن تستقبل الرجل بأمر قبيح تقذفه به وهو برئ منه ولأنه يبهت عند ذلك . أى يتحير .والإِثم : هو الذنب العظيم الذى يبعد صاحبه عن رضا الله - تعالى - ( والمبين ) هو الشئ الواضح الذى يعلن عن نفسه بدون لبس أو خفاء .