وبعد أن حض - سبحانه - عباده المؤمنين على تقواه والتقرب إليه بصالح الأعمال لكي ينالوا الفلاح والنجاح ، عقب ذلك ببيان ما أعده للكافرين من عذاب أليم فقال - تعالى - :( إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ . . . )المعنى : ( إِنَّ الذين كَفَرُواْ ) بآياتنا وجحدوا الحق الذي جاءتهم به رسلنا ( لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً ) أي : لو أن لم جميع ما في الأرض من أموال وخيرات ومنافع ( وَمِثْلَهُ مَعَهُ ) أي : وضعفه معه ، وقدموا كل ذلك ( لِيَفْتَدُواْ بِهِ ) أي : ليخلصوا به أنفسهم ( مِنْ عَذَابِ يَوْمِ القيامة مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ) أي : ما قبله الله منهم ، لأن سنته قد اقتضت أن تكون نجاة الإِنسان من العذاب يوم القيامة متوقفة على الإِيمان والعمل الصالح ، لا على الأموال وما يشبهها من حطام الدنيا مهما عظم شأنها وكثر عددها . ( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أي : شديد في آلامه وأوجاعه .فالآية الكريمة تبين ما أعده الله - تعالى - يوم القيامة للكافرين بآياته من عذاب أليم ، لن يصرفه عنهم صارف مهما قدموا من ثمن ، أو بذلوا من أموال .وقوله ( لَوْ أَنَّ لَهُمْ ) إلخ ، جملة شرطية جوابها قوله تعالى ( مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ) وهذه الجملة الشرطية وجوابها خبر إن في قوله : ( إِنَّ الذين كَفَرُواْ ) .وصدرت الآية الكريمة بأداة التوكيد " إن " للرد على ما ينكره الكافرون من وقوع عذاب عليهم يوم القيامة فقد حكى القرآن عنهم أنهم قالوا : ( نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) .والمراد بقوله : ( لَوْ أَنَّ لَهُمْ ) أي : لو أن لكل واحد من هم منفرداً ، ما في الأرض جميعا ومثله معه ، وقدمه يوم القيامة ليخلص نفسع من العذاب ، سما قبل منه ذلك الذي قدمه . وفي ذلك ما فيه من ثبوت العذاب عليهم ووقوعه بهم لا محالة . وقوله : ( جميعا ) توكيد للموصول وهو ( ما ) في قوله : ( مَّا فِي الأرض ) أو حال منه : وقوله : ( ومثله ) معطوف على اسم أن وهو ( ما ) الموصولة .وقوله : ( معه ) ظرف واقع موقع الحال من المعطوف والضمير يعود إلى الموصول . وجاء الضمير المجرور في قوله ( لِيَفْتَدُواْ بِهِ ) بصيغة الإِفراد ، مع أن الذي تقدمه شيئان وهما : ما في الأرض جميعا ومثله . للإِشارة إلى أنهما لتلازمهما قد صارا بمنزلة شيء واحد . أو لإِجراء الضمير مجرى اسم الإِشارة بأن يؤول المرجع المتعدد بالمذكور أي ليفتدوا بذلك المذكور من عذاب يوم القيامة ما تقيل منهم .ونفي - سبحانه - قبول الفدية منهم بقوله : ( مَا تُقُبِّلَ مِنْهُم ) لإِفادة تأكيد هذا النفي واستبعاده ، إذ أن صيغة " التقبل " تدل على تكلف القبول أي : أنه لا يمكن قبول الفداء منهم مهما قدموا من أموال ومهما بذلوا من محاولات في سبيل الوصول لغرضهم .قال الفخر الرازي : والمقصود من هذا الكلام التمثيل للزوم العذاب لهم ، فإنه لا سبيل لهم إلى الخلاص منه .روى البخاري عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم :" يؤتي بالرجل من أهل النار فيقال له : يا بن آدم كيف وجدت مضجعك؟ فيقول : شر مضجع . فيقال له . أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به؟ فيقول : نعم ، فيقال له : قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك : أن لا تشرك بالله شيئاً فيؤمر به إلى النار " .