ولقد كان ما أعده الله - تعالى - لهؤلاء الأصفياء من ثواب شيئاً عظيماً ، عبر عنه - سبحانه - بقوله : ( فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وذلك جَزَآءُ المحسنين ) .أي : فكافأهم الله - تعالى - بسبب أقوالهم الطيبة الدالة على إيمانهم وإخلاصهم ، جنات تجري من تحت بساتينها وأشجارها الأنهار ( خَالِدِينَ فِيهَا ) أي : باقين في تلك الجنات بقاء لا موت معه ، ( جَزَآءُ المحسنين ) أي : المؤمنين المخلصين في أقوالهم وأعمالهم .والمراد بقوله : ( بِمَا قَالُواْ ) : ما سبق أن حكاه عنهم - سبحانه - من قولهم : ( رَبَّنَآ آمَنَّا فاكتبنا مَعَ الشاهدين ) ورتب الثواب المذكور على القول : لأنه قد سبق وصفهم بما يدل على إخلاصهم ، وعلى صدق يقينهم ، والقول إذا اقترن بذلك فهو الإِيمان .قال الآلوسي : قوله ( فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ ) أي بسبب قولهم أو بالذي قالوه عن اعتقاد ، فإن القول إذا لم يقيد بالخلو عن الاعتقاد يكون المراد به المقارن له ، كما إذا قيل : هذا قول فلان ، لأن القول إنما يصدر عن صاحبه لإِفادة الاعتقاد .وقيل : إن القول هنا مجاز عن الرأي والاعتقاد والمذهب كما يقال : هذا قول الإمام الأعظم أي : هذا مذهبه واعتقاده .وذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد بهذا القول قولهم : ( رَبَّنَآ آمَنَّا ) وقولهم ( وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ ) .وقد بينت هذه الآية الكريمة أنه - سبحانه - قد أجابهم إلى ما طلبوا ، بل أكبر مما طلبوا فقد كانوا يطمعون في أن يكونوا مع القوم الصالحين ، وأن يكتبهم مع الشاهدين . فأعطاهم - سبحانه - جنات تجري من تحتها الأنهار . وسماهم محسنين . والإِحسان أعلى درجات الإِيمان ، وأكرم أوصاف المتقين .