ثم حكى القرآن الكريم الأسباب التى حملت إبليس على عدم السجود لآدم فقال : ( قَالَ مَا مَنَعَكَ . . . . ) .أى : قال الله - تعالى - لإبليس : ما ألزمك واضطرك إلى أن لا تسجد لآدم؟ فالنع مجاز عن الإلجاء والاضطرار . أو ما حملك ودعاك إلى ألا تسجد؟ فالمنع مجاز عن الحمل . والاستفهام للتوبيخ والتقريع .و ( لا ) فى قوله : ( أَلاَّ تَسْجُدَ ) مزيدة للتنبيه على أن الموبخ عليه ترك السجود . وتوكيد لمعنى الفعل الذى دخلت عليه وتحقيقه ، كأنه قيل : ما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك .وقد حكى القرآن ما أجاب به إبليس فقال : ( قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) أى : قال إبليس أنا خير من آدم ، لأنى مخلوق من عنصر النار الذى هو أشرف من عنصر الطين ، والأشرف لا يليق به الانقياد لمن هو دونه .قال ابن كثير : " وقول إبليس - لعنة الله - ( أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ ) . . . إلخ . من العذر الذى هو أكبر من الذنب ، إذ بين بأنه خير من آدم لأنه خلق من النار وآدم خلق من الطين ، فنظر اللعين إلى أصل العنصر ول ينظر إلى التشريف العظيم ، وهو أن الله - تعالى - خلق آدم بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وقاس قياساً فاسداً فى مقابلة نص ، وهو قوله - تعالى - : ( فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ) فشذ من بين الملائكة لترك السجود فأبعده الله عن رحمته ، وكان قياسه فاسداً لأن النار ليست أشرف من الطين ، فإن الطين من شأنه الرزانة والأناة والتثبت ، وهو محل النبات والنمو والزيادة والإصلاح ، والنار من شأنها الإحراق والطيش والسرعة ، ولهذا خان إبليس عنصره ، ونفع آدم عنصره بالرجوع والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله . وفى صحيح مسلم عن عائشة قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلت الملائكة من نور ، وخلق إبليس من مارج من نار ، وخلق آدم ما وصف لكم " .