ثم بين القرآن بعد ذلك لونا آخر من ألوان عذاب المكذبين فقال : ( إِنَّ الذين . . . . ) .هاتان الآيتان تصوران أكمل تصوير استحالة دخول المشركين الجنة بسبب تكذيبهم لآيات الله واستكبارهم عنها .وقد فسر بعض العلماء قوله - تعالى - : ( لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السمآء ) بمعنى ، لا تقبل أعمالهم ولا ترفع إلى الله كما ترفع أعمال الصالحين . قال - تعالى - : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ ) وفسره بعضهم بمعنى أن أرواحهم لا تصعد إلى السماء بعد الموت ، لأنها قد أغلقت عليهم بسبب شركهم ، ولكنها تفتح لأرواح المؤمنين .والمراد أن الكافرين عند موتهم وعند حسابهم يوم القيامة يكونون على غضب الله ولعنته بسبب ما ارتكبوه فى الدنيا من شرك وظلم .أما قوله - تعالى - : ( وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط ) فمعناه : أن هؤلاء المشركين لا تفتح لأعمالهم ولا لأرواحهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يدخل ما هو مثل فى الضخامة وهو الجمل الكبير ، فيما هو مثل فى الضيق وهو ثقب الإبرة .وفى قراءة ( حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط ) - بضم الجيم وتشديد الميم وفتحا - وهو الحبل الغليظ أى : لا يدخلون الجنة حتى يدخل الحبل الغليظ الذى تربط به السفن فى ذلك الثقب الصغير للإبرة ، وهيهات أن يحصل هذا ، فكما أنه غير ممكن حصول ذلك فكذلك غير ممكن دخول المشركين الجنة .قال الجمل فى حاشيته : ولا يدخلون الجنى حتى يلج الجمل فى سم الخياط . الولوج : الدخول بشدة ، ولذلك يقال هو الدخول فى ضيق فهو أخص من مطلق الدخول . والجمل معروف وهو الذكر من الإبل ، وسم الخياط ، ثقب الإبرة ، وإنما خص الجمل بالذكر من بين سائر الحيوانات لأنه أكبرها ، وثقب الإبرة من أضيق المنافذ ، فكان ولوج الجمل مع عظم جسمه فى ثقب الإبرة الضيق محالا فثبت أن الموقوف على المحال محال ، فوجب بهذا الاعتبار أن دخول الكفار الجنة ميئوس منه قطعا .وقوله : ( وكذلك نَجْزِي المجرمين ) معناه : ومثل ذلك الجزاء الرهيب نجزى جنس المجرمين ، الذين صار الإجرام وصفا لازما لهم .