بهذا الأسلوب المؤثر البليغ ، وبهذه الوصايا الحكيمة ، وصى موسى قومه بنى إسرائيل فماذا كان ردهم عليه؟ لقد كان ردهم يدل على سفاهتهم ، فقد قالوا له : ( أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ) أى : قال بنو إسرائيل لموسى رداً على نصيحته لهم : لقد أصابنا الأذى من فرعون قبل أن تأتينا يا موسى بالرسالة ، فقد قتل منا ذلك الجبار الكثير من أبنائنا وأنزل بنا ألواناً من الظلم والاضطهاد وأصابنا الأذى بعد أن جئتنا بالرسالة كما ترى من سوء أحوالنا . واشتغالنا بالأشغال الحقيرة المهينة ، فنحن لم نستفد من رسالتك شيئاً ، فإلى متى نسمع منك تلك النصائح التى لا جدوى من ورائها؟ومع هذا الرد السفيه من قوم موسى عليه ، نراه يرد عليهم بما يليق به فيقول : ( عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ) فرعون الذى فعل بكم ما فعل من أنواع الظلم ، وتوعدكم بما توعد من صنوف الاضطهاد .( وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض ) أى يجعلكم خلفاء فيها من بعد هلاكه هو وشيعته . ( فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) أى : فيرى - سبحانه - الكائن منكم من العمل ، حسنه وقبيحه ، ليجازيكم على حسب أعمالكم ، فإن استخلافكم فى الأرض من بعد هلاك أعدائكم ليس محاباة لكم ، وإنما هو استخلاف للاختبار والامتحان ، فإن أحسنتم زادكم الله من فضله ، وإن أسأتم كان مصيركم كمصير أعدائكم .وفى التعبير " بعسى " الذى يدل على الرجاء ، أدب عظيم من موسى مع ربه - عز وجل - : وتعليم للناس من بعده أن يلتزموا هذا الأدب السامى مع خالقهم ، وفيه كذلك منع لهم من الاتكال وترك العمل ، لأنه لو جزم لهم فى الوعد فقد يتركون السعى والجهاد اعتماداً على ذلك .وقيل : إن موسى ساق لهم ما وعدهم به فى صيغة الرجاء لئلا يكذبوه ، لضعف نفوسهم بسبب ما طال عليهم من الذل والاستخذاء لفرعون وقومه ، واستعظامهم لملكه وقوته ، فكأنهم يرون أن ما قاله موسى مستبعد الحصول ، لذا ساقه لهم فى صورة الرجاء .ثم تمضى السورة الكريمة بعد ذلك فتحدثنا فى بضع آيات عن العذاب الذى أخذ الله به آل فرعون بسبب ظلمهم وطغيانهم ، وكيف أن الله - تعالى - قد حقق لموسى رجاءه ، وكيف أن أولئك الظالمين لمن يمنعهم العذاب الذى نزل بهم من ارتكاب المنكرات والآثام .