وبعد أن أمر - سبحانه - المؤمنين بالاستجابة له ونهاهم عن الوقوع فى المعاصى . . أخذ فى تذكيرهم بجانب من فضله عليهم فقال : ( واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرض تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ الناس . . . ) .أى : ( واذكروا ) يا معشر المؤمنين ( إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرض ) أى : وقت أن كنتم قلة مستضعفة فى أرض مكة تحت أيدى كفار قريش . أو فى أرض الجزيرة العربية حيث كانت الدولة لغيركم من الفرس والروم .وقوله : ( تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ الناس ) أى : تخافون أن يأخذكم أعداؤكم أخذا سريعا . لقوتهم وضعفكم . يقال خطفه - من باب تعب - أى : استلبه بسرعة .والمراد بالتذكر فى قوله : ( واذكروا ) أن يتنبهوا بعقولهم وقلوبهم إلى نعم الله ، وأن يداوموا على شكرها حتى يزيدهم - سبحانه - من فضله .و ( إِذْ ) ظرف بمعنى وقت . و ( أَنتُمْ ) مبتدأ ، أخبر عنه بثلاثة أخبار بعده وهى ( قَلِيلٌ ) و ( مُّسْتَضْعَفُونَ ) و ( تَخَافُونَ ) .والمراد بالناس : كفار قريش ، أوهم وغيرهم من كفار العرب والفرس والروم .وقوله : ( فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيبات ) بيان لما من به عليهم من نعم بعد أن كانوا محرومين منها .أى : اذكروا وقت أن كنتم قلة ضعيفة مستضعفة تخشى - أن يأخذها أعداؤها أخذا سريعا ، فرفع الله عنكم بفضله هذه الحال ، وأبدلكم خيرا منها ، بأن ( آوَاكُمْ ) إلى المدينة ، وألف بين قلوبكم يا معشر المهاجرين والأنصار ( وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ ) فى غزوة بدر ، وقذف فى قلوب أدائكم الرعب منكم ( وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيبات ) أى : ورزقكم من الغنائم التى أحلها لكم بعد أن كانت محرمة على الذين من قبلكم ، كما رقزكم - أيضا بكثير من المطاعم والمشارب الطيبة التى لم تكن متوفرة لكم قبل ذلك .وقوله ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) تذييل قصد به حضهم على مداومة الشكر والطاعة لله - عز وجل - أى : نقلكم الله - تعالى - من الشدة إلى الرخاء ، ومن القلة إلى الكثرة ، ومن الضعف إلى القوة ، ومن الخوف إلى الأمن ، ومن الفقر إلى الغنى . . حتى تستمروا على طاعة الله وشكره ، ولا يشغلكم عن ذلك أى شاغل .قال ابن جرير : قال قتادة فى قوله - تعالى - ( واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرض . . . ) ." كان هذا الحى من العرب أذل الناس ذلا ، وأشقاه عيشا وأجوعه بطونا ، وأعراه جلودا ، وأبيته ضلالا ، من عاش منهم عشا شقيا ، ومن مات منهم ردى فى النار ، يؤكلون ولا يأكلون ، والله ما نعلم قبيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منهم منزلا ، حتى جاء الله بالإِسلام ، فمكن به فى البلاد ، ووسع به فى الرزق ، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس . فبالإِسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا الله على نعمه ، فإن ربكم منعم يجب الشكر ، فى مزيد من الله - تعالى - " .وبذلك نرى أن هذه الآيات قد جمعت بين الترغيب والترهيب والتذكير . . الترغيب كما فى قوله - تعالى - : ( ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ . . . ) .والترهيب كما فى قوله - تعالى - : ( واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً . . . ) .والتذكير كما فى قوله - تعالى - ( واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرض . . . ) .وبالتغريب فى الطاعات ، وبالترهيب من المعاصى ، وبالتذكير بالنعم ، ينجح الدعاة فى دعوتهم إلى الله .