وبعد أن شرح - سبحانه - أحوال المهلكين من شرار الكفرة ، شرع فى بيان أحوال الباقين منهم ، وتفصيل أحكامها ، فقال - تعالى - : ( إِنَّ شَرَّ الدواب . . إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ ) .قال الفخر الرازى : اعلم أنه - تعالى - لما وصف كل الكفار بقوله : ( وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ ) أفرد بعضهم بمزية فى الشر والعناد فقال : ( إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله ) أى : فى حكمه وعلمه من حصلت له صفتان :الأولى : الكافر الذى يكون مستمراً على كفره مصرا عليه . .الثانية : أن يكون ناقصا للعهد على الدوام . .قال ابن عباس : هم بنو قريظة ، فإنهم نقضوا عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعانوا عليه المشركين بالسلاح فى يوم بدر ، ثم قالوا : أخطأنا ، فعاهدهم مرة أخرى فنقضوه أيضا يوم الخندق . .والدواب : جمع دابة . وهى كل ما يدب على الأرض قال - تعالى - ( والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ ) قال الجمل : وإطلاق الدابة على الإِنسان إطلاق حقيقى ، لما ذكروه فى كتب اللغة من أنها تطلق على كل حيوان ولو أدميا . وفى الصباح " الداية كل حيوان فى الأرض مميزاً وغير مميز " .والمعنى : إن شر ، ما يدب على الأرض ( عِندَ الله ) أى : فى حكمه وقضائه ( الذين كَفَرُواْ ) أى : الذين أصروا على الكفر ولجوا فيه .وقد وصفهم - سبحانه - بأنهم شر الدواب لا شر الناس ، للإِشعار بأنهم بمعزل عما يتحلى به الناس من تعقل وتدبر للأمور ، لأن لفظ الدواب وإن كان يطلق على الناس ، إلا أنه عند إطلاقه عليهم يلقى ظلا خاصا يجعل العقول تتجه إلى أن هؤلاء الذين أطلق عليهم اللفظ هم إلى الدواب التى لا تعقل أقرب منهم إلى الآدميين العقلاء ، وفى وصفه - سبحانه - لهم بأنهم شر الدواب زيادة توبيخ لهم ، لأنهم ليسوا دوابا فحسب بل هم شرها وأخسها .وقوله : ( فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) تذييل جئ به على وجه الاعتراض بالبيان أى : أنهم - بسبب إصرارهم على الكفر - صار الإِيمان بعيدا عنهم ، وأنهم سواء أنذروا أو لم ينذروا مستمرون فى الضلال والعناد .