وبعد هذا الخوف الشديد الذى أصاب المؤمنين فى مبدأ لقائهم بأعدائهم فى غزوة حنين ، يجئ نصر الله الذى عبر عنه - سبحانه - بقوله : ( ثُمَّ أَنَزلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين ) .والسكينة : الطمأنينة والرحمة والأمنة وهى فعلية من السكون : وهو ثبوت الشيئ بعد التحرك . أو من السكن وهو كل ما سكنت إليه واطمأنت به من أهل وغيرهم .أى : ثم أنزل الله - تعالى - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المؤمنين رحمته التى تسكن إليها القلوب ، وتطمئن بها اطمئناناً يستتبع النصر القريب .وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى حاجة إلى هذه السكينة؛ لأنه مع شجاعته وثباته ووقوفه فى وجه الأعداء كالطود الأشم . أصابه الحزن والآسى لفرار هذا العدد الكبير من أصحابه عنه .وكان المؤمنون الذين ثتبوا من حوله فى حاجة إلى هذه السكينة؛ ليزدادوا ثباتاً على ثباتهم ، وإيماناً على إيمانهم .وكان الذين فروا فى حاجة إلى السكينة ، ليعود إليهم ثباتهم ، فيقبلوا على قتالهم أعدائهم بعد أن دعاهم رسولهم - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك .وقوله : ( وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ) بيان لنعمة أخرى سوى إنزال السكينة .أى : وأنزل مع هذه السكينة جنوداً من الملائكة لم تروها بأبصاركم ، ولكنكم وجدتم آثرها فى قلوبكم ، حيث عاد إليكم ثباتكم وإقدامكم .وقوله : ( وَعذَّبَ الذين كَفَرُواْ ) ، بيان لنعمة ثالثة سوى السابقتين .أى : أنزل سكينته وأنزل جنوداً لم تروها ، وعذب الذين كفروا بأن سلطكم عليهم فقتلتم منهم من قتلتم ، وأسرتم من أسرتم .وقوله : ( وذلك جَزَآءُ الكافرين ) أى وذلك الذى نزل بهؤلاء الكافرين من التعذيب جزاء لهم على كفرهم ، وصدهم عن سبيل الله .