ثم هددهم ، سبحانه ، بالعذاب الأليم ، إن لم ينفروا للجهاد فى سبيله فقال ( إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً ) .أى : ( إِلاَّ تَنفِرُواْ ) ، أيها المؤمنين ، للجهاد كما أمركم رسولكم ( يُعَذِّبْكُمْ ) الله ( عَذَاباً أَلِيماً ) فى الدنيا بإنزال المصائب ، بكم ، وفى الآخرة بنار جهنم .وقوله : ( وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ) أى : ويستبدل بكم قوما يطيعون رسوله فى العسر واليسر ، والمنشط والمكره . . كما قال : ( وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم ) قال صاحب المنار : قيل المراد بهؤلاء القوم : أهل اليمن ، وقيل أهل فارس وليس فى محله ، فإن الكلام للتهديد ، والله يعلم أنه لا يقع اشلرط ولا جزاؤه .وإنما المراد يطيعونه - سبحانه - ويطيعون رسوله ، لأنه قد وعده بالنصر؛ وإظهار دينه ، فإن لم يكن هذا الإِظهار بأيديكم . فلا بد أن يكون بأيدى غيركم ( وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ ) وقد مضت سنته - تعالى - بأنه لا بقاء للأمم التى تتثاقل عن الدفاع عن نفسها وحفظ حقيقتها وسيادتها ، ولا تتم فائدة القوة الدفاعية والهجومية إلا بطاعة الامام ، فكيف إذا كان الأمام والقائد هو النبى الموعود من ربه بالنصر .والضمير فى قوله ( وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً ) يعود إلى الله ، تعالى .أى : إن تباطأتم " أيها المؤمنون " عن الجهاد ، يعذبكم الله عذاباً أليما ويستبدل بكم قوماً سواكم لنصرة نبيه ، ولن تضروا الله شيئاً من الضرر بسبب تقاعسكم . لأنكم أنتم الفقراء إليه ، وهو ، سبحانه ، الغنى الحميد .وقيل : الضمير يعود للرسول ، - صلى الله عليه وسلم - أى : ولا تضروا الرسول شيئاً ما من الضرر بسبب تثاقلكم عن الجهاد ، لأن الله قد وعده بالنصر ووعده كائن لا محاله .وقوله : ( والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) تذييل مؤكد لما قبله .أى : والله ، تعالى : على كل شئ من الأشياء قدير ، ولا يعجزه أمر ، ولا يحول دون نفاذ مشيئته حائل ، فامتثلوا أمره لتفوزوا برضوانه .فأنت ترى أن هذه الآية وسابقتها قد اشتملت على أقوى الأساليب التى ترغب فى الجهاد ، وترهب عن النكوص عنه ، وتبعث على الطاعة لله ولرسوله .