ثم نهى الله - تعالى - ورسوله والمؤمنين عن الصلاة فى هذا المسجد نهيا مؤكداً فقال - سبحانه - : ( لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً ) .أى : لا تصل . أيها الرسول الكريم . فى هذا المسجد فى أى وقت من الأوقات لأنه لم يبين لعبادة الله ، وإنما بنى للشقاق والنفاق .قال القرطبى : قوله - تعالى - ( لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً ) يعنى مسجد الضرار . لا تقم فيه للصلاة ، وقد يعبر عن الصلاة بالقيام . يقال : فلان يقوم الليل أى : يصلى ، ومنه الحديث الصحيح : " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " .وقد روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية كان لا يمر بالطريق التى فيها هذا المسجد ، وأمر بموضعه أن يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف والأقذار . .وقوله : ( لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التقوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ) جملة مسوقة لمدح مسجد قباء وتشريفه .أى : لمسجد بنى أساسه ، ووضعت قواعده لعى تقوى الله وإخلاص العبادة له منذ أول يوم بدئ فى بنائه ، أحق أن تقوم للصلاة فيه من غيره .قال الآلوسى ما ملخصه : واللام فى قوله " لمسجد " إما للابتداء أو للقسم . أى : والله لمسجد ، وعلى التقديرين فمسجد مبتدأ ، والجملة بعده صفته ، وقوله ( أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ) خبر المبتدأ : " وأحق " أفعل تفضيل ، والمفضل عليه كل مسجد . أو مسجد الضرار على الفرض والتقدير ، أو على زعمهم ، وقيل إنه بمعنى حقيق ، أى : ذلك المسجد بأن تصلى فيه . .وقوله : ( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ والله يُحِبُّ المطهرين ) جملة مسوقة لتكريم رواد هذا المسجد ومديحهم .أى : فى هذا المسجد رجال أتقياء الظاهر والباطن ، إذهم يحبون الطهارة من كل رجس حسى ومعنوى ، ومن كان كذلك أحبه الله ورضى عنه .