ثم انتقلت السورة الكريمة الى الحديث عن نعمة أخرى من نعم الله التى لا تحصى ، وهى نعمة ثمرات النخيل والأعناب ، فقال - تعالى - : ( وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً . . . ) .قال الجمل ما ملخصه : قوله - سبحانه - : ( وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب . . ) خبر مقدم ، ومن تبعيضية ، والمبتدأ محذوف تقديره ثمر ، وقوله ( تتخذون ) نعت لهذا المبتدأ المحذوف ، أى : ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا .ويجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف ، والتقدير : ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب ، أى : من عصيرهما ، وحذف لدلالة نسقيكم قبله عليه ، وقوله ( تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ) بيان وكشف عن كيفية الإِسقاء .والضمير فى قوله ( منه ) يعود على المضاف المحذوف الذى هو العصير ، أو على المبتدأ المحذوف وهو الثمر .والسكر - بفتح السين والكاف - اسم من أسماء الخمر ، يقال : سكر فلان - بوزن فرح - يسكر سكرا ، إذا غاب عقله وإدراكه فهو سكران وسكر - بفتح السين وكسر الكاف - .وأما الرزق الحسن ، فالمراد به ما كان حلالا من ثمرات النخيل والأعناب كالتمر والزبيب وغير ذلك مما أحله الله - تعالى - من ثمارها .وعلى هذا المعنى سار جمهور العلماء من السلف والخلف .قال الآلوسى ما ملخصه : والسكر : الخمر . قال الأخطل : .بئس الصُّحاة وبئس الشَّرب شَربُهم ... إذا جرى فيهم المزَّاءُ والسَّكَروالمزاء : نوع من الأشربة . والسكر ما يسكر وهو الخمر .وفسروا الرزق الحسن . بالخل والتمر والزبيب وغير ذلك .ثم قال : وتفسير " السَّكَر " بالخمر ، هو المروى عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وابى رزين ، والحسن ، ومجاهد ، والشعبى . . والنخعى . . مع خلق آخرين . . .وعلى هذا التفسير الذى قاله جمهور العلماء يكون السكر غير الرزق الحسن ، ويكون العطف للتغايرومن العلماء من فسر السكر بأنه اسم للخل ، أو للعصير غير المسكر ، أو لما لا يسكر من الأنبذة ، وقد بسط الإِمام القرطبى القول فى هذه المسألة فقال ما ملخصه : قوله - تعالى - ( سكرا ) السكر ما يسكر ، هذا هو المشهور فى اللغة .