ثم بشر - سبحانه - عباده الذين يقع عليهم العدوان بالنصر على من ظلمهم ، فقال - تعالى - : ( ذلك وَمَنْ عَاقَبَ . . . ) .اسم الإشارة ذلك ، فى قوله - تعالى - ( ذلك وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ) .يعود إلى ما ذكره - سبحانه - قبل ذلك من أن الملك له يوم القيامة ، ومن الرزق الحسن الذى منحه للمهاجرين فى سبيله ثم قتلوا أو ماتوا .والعقاب : مأخوذ من التعاقب ، وهو مجىء الشىء بعد غيره . والمراد به هنا : مجازاة الظالم بمثل ظلمه .قال القرطبى : قال مقاتل : نزلت هذه الآية فى قوم من مشركى مكة . لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم : فقالوا : إن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يكرهون القتال فى الشهر الحرام فاحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم فى الشهر الحرام . فأبى المشركون إلا القتال ، فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين ، وحصل فى أنفس المسلمين شىء من القتال فى الشهر الحرام ، فأنزل الله الآية .فمعنى ( وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ) أى : من جازى الظالم بمثل ما ظلمه ، فسمى جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين فى الصورة فهى مثل : ( جَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ) وقوله ( ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ ) أى : أن الظالم المبتدئ بالظلم عاد مرة أخرى فبغى على المظلوم وآذاه .وقوله ( لَيَنصُرَنَّهُ الله ) وعد مؤكد منه - سبحانه - بنصرة المظلوم ، والجملة جواب قسم محذوف . أى والله لينصرن - سبحانه - المظلوم على الظالم فى الحال أو المآل .قوله : ( إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) تعليل للنصرة ، وبيان بأن المظلوم عندما ترك العفو عن الظالم ، لا يؤاخذه - سبحانه - على ذلك ، ما دام لم يتجاوز فى رد العدوان الحدود المشروعة ، وهى الانتصار على القصاص بالمثل .أى : إن الله - تعالى - لكثير العفو عن عباده ، وكثير المغفرة لذنوبهم وخطاياهم .