وقوله - تعالى - : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأرض والفلك تَجْرِي فِي البحر بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ . . . ) بيان لألوان أخرى من الغم التى أنعم بها على بنى آدم .أى : لقد علمت - أيضا - أيها العاقل ، أن الله - تعالى - سخر لكم يا بنى آدم - ما فى الرض من دواب وشجر وأنها ، وغير ذلك مما تحتاجونه لحياتكم ، وسخر لمنفعتكم السفن التى تجرى فى البحر بتقديره وإرادته وإذنه .وهو - سبحانه - الذى يمسك السماء ويمنعها من أن تقع على الأرض ، فتهلك من فيها ، ولو شاء لأذن لها فى الوقوع فسقطت على الأرض فأهلكت من عليها .قال الجمل : وقوله : ( إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) : الظاهر أنه استثناء مفرغ من أعم الأحوال ، وهو لا يقع إلا فى الكلام الموجب إلا أن قوله : ( وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض ) فى قوة النفى . أى : لا يتركها تقع فى حالة من الأحوال إلى فى حالة كونها ملتبسة بمشيئة الله - تعالى - ، فالباء للملابسة .وقوله - سبحانه - : ( إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) أى : لكثير الرأفة والرحمة بهم ، ومن علامات ذلك أنه سخر لهم ما فى الأرض وسخر لهم الفلك ، وأمسك السماء عنهم ، ولم يسقطها عليهم .وشبيه بهذه الاية قوله - تعالى - : ( إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) .