وبعد هذا البيان الحكيم لبعض الأحكام الشرعية . انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن غزوة الأحزاب ، وعن فضل الله - تعالى - على المؤمنين فيها ، فقال - سبحانه - : ( ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا . . . عَهْدُ الله مَسْئُولاً ) .وغزوة الأحزاب ، من الغزوات الشهيرة فى تاريخ الدعوة الإِسلامية ، وكانت - على الراجح - فى شهر شوال من السنة الخامسة بعد الهجرة .وملخصها - كما ذكر الإِمام ابن كثير - أن نفرا من اليهود - على رأسهم حيى بن أخطب - خرجوا إلى مكة ، واجتمعوا بأشراف قريش وألبوهم على حرب المسلمين ، فأجابوهم إلى ذلك .ثم خرجوا إلى قبيلة غطفان فدعوهم لحرب المسلمين ، فاستجابوا لهم - ايضا - .وخرجت قريش فى أحابيشها ومن تابعها ، والجميع فى جيش قريب من عشرة آلاف رجل .وعندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بمقدمهم ، أمر بحفر خندق حول المدينة .ووصلت جيوش الأحزاب إلى مشارف المدينة ، فوجدوا الخندق قد حفر ، وأنه يحول بينهم وبين اقتحامها . كما أن المسلمين كانوا لهم بالمرصاد .وخلال الفترة العصبية ، نقض يهود بنى قريظة عهودهم مع المسلمين ، وانضموا إلى جيوش الأحزاب ، فزاد الخطب على المسلمين .ومكث الأعداء محاصرين للمدينة قريبا من شهر . ثم جاء نصر الله - تعالى - ، بأن أرسل على جيوش الأحزاب ريحا شديدة ، وجنودا من عنده ، فتصدعت جبهات الأحزاب ، وانكفأت خيامهم ، وملأ الرعب قلوبهم ، ( وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى الله المؤمنين القتال ) وقد ابتدأ الله - تعالى - الحديث عن هذه الغزوة ، بنداء وجهه إلى المؤمنين ، ذكرهم فيه بفضله عليهم ، وبرحمته بهم فقال : ( ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ) .والمعنى : يا من آمنتم بالله حق الإِيمان ، ( اذكروا ) على سبيل الشكر والاعتبار ( نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ ) ورحمته بكم .( إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ ) كثيرة ، هى جنود جيوش الأحزاب ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً ) شديدة زلزلتهم ، وجعلتهم يرحلون عنكم بخوف وفزع .كما أرسلنا عليهم ( وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ) وهم الملائكة ، الذين ألقوا الرعب فى قلوب أعدائكم .قالوا : روى أن الله - تعالى - بعث عليهم ريحا باردة فى ليلة باردة ، فألقت التراب فى وجوههم ، وأمر الملائكة فقلعت أوتاد خيامهم ، وأطفأت نيرانهم وقذفت فى قلوبهم الرعب . . فقال كل سيد قوم لقومه : يا بنى فلان : النجاء النجاء .وقوله - سبحانه - : ( وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ) تذييل قصد به بيان مظهر آخر من مظاهر فضله - تعالى - عليهم .أى : جاءتكم تلك الجنود الكثيرة . فأرسلنا عليهم ريحا شديدة ، وأرسنلا عليهم من عندنا جنودا لم تروها ، وكنا فوق كل ذلك مطلعين على أعمالكم من حفر الخندق وغيره وسامعين لدعائكم ، وقد أجبناه لكم ، حيث رددنا أعداءكم عنكم دون أن ينالوا خيرا .