وبعد هذه التوجيهات الحكيم لأمهات المؤمنين ، ساق - سبحانه - توجيها جامعا لأمهات الفضائل ، وبشر المتصفين بهذه الفضائل بالمغفرة والأجر العظيم فقال - تعالى - : ( إِنَّ المسلمين والمسلمات ) .ورد فى سبب نزول هذه الآية روايات منها : ما أخرجه الإِمام أحمد والنسائى وغيرهما ، عن أم سلمة - رضى الله عنها - قالت : قلت للنبى صلى الله عليه وسلم ما لنا لا نذكر فى القرآن كما يذكر الرجال؟ قالت : فلم يرعنى منه صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلا نداؤه على المنبر ، وهو يتلو هذه الآية : ( إِنَّ المسلمين والمسلمات . . . ) .وأخرج الترمذى وغيره عن أم عمارة الأنصارية أنها أنت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : ما أرى كل شئ إلا للرجال ، وما أرى النساء يذكرون بشئ ، فنلت هذه الآية .وأخرجه ابن جرير عن قتادة قال : دخل نساء على أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فقلن : قد ذكركن الله - تعالى - فى القرآن ، وما يذكرنا بشئ أما فينا ما يذكر ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية .والمعنى : ( إِنَّ المسلمين والمسلمات ) والإِسلام : الانقياد لأمر الله - تعالى - وإسلام الوجه له - سبحانه - وتفويض الأمر إليه وحده .( والمؤمنين والمؤمنات ) والإِيمان : هو التصديق القلبى ، والإِذعان الباطنى ، لما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم .( والقانتين والقانتات ) والقنوت : هو المواظبة على فعل الطاعات عن رضا واختيار .( والصادقين والصادقات ) والصدق : والصدق : هو النطف بما يطاب الواقع ، والبعد عن الكذب والقول الباطل . .( والصابرين والصابرات ) والصبر : هو توطين النفس على احتمال المكاره والمشاق فى سبيل الحق ، وحسب النفس عن الشهوات .( والخاشعين والخاشعات ) والخشوع : صفة تجعل القلب والجوارح فى حالة انقياد تام لله - تعالى - ومراقبة له ، واستشعار لجلاله وهيبته .( والمتصدقين والمتصدقات ) والتصدق : تقديم الخير إلى الغير بإخلاص ، فدعا لحاجته ، وعملا على عونه ومساعدته .( والصائمين والصائمات ) والصوم : هو تقرب إلى الله - تعالى - واستعلاء على مطالب الحياة ولذائذها ، من أجل التقرب إليه - سبحانه - بما يرضيه .( والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات ) وحفظ الفرج : كناية عن التعفف والتطهر والتصون عن أن يضع الإِنسان شهوته فى غير الموضع الذى أحله الله - تعالى - .( والذاكرين الله كَثِيراً والذاكرات ) وذكر الله - تعالى - يتمثل فى النطق بما يرضيه كقراءة القرآن الكريم ، والإِكثار من تسبيحه - عز وجل - وتحميده وتكبيره . .وفى شهور النفس فى كل لحظة مراقبته - سبحانه - .هؤلاء الذين اصتفوا بهذه الصفات من الرجال والنساء ( أَعَدَّ الله ) - تعالى - ( لَهُم مَّغْفِرَةً ) واسعة لذنوبهم ( وَأَجْراً عَظِيماً ) لا يعلم مقداره إلا هو - عز وجل - .وهكذا نجد القرآن الكريم يسوق الصفات الكريمة ، التى من شأن الرجل والمرأة إذا ما اتصفا بها ، أن يسعدا فى دنياهما وفى أخراهما ، وأن يسعد بهما المجتمع الذى يعيشان فيه . .نها صفات نظمت علاقة الإِنسان بربه ، وبنفسه ، وبغيره ، تنظيما حكيما ، يهدى الى الرشد ، ويوصل إلى الظفر والنجاح .