وقوله - تعالى - : ( استكبارا فِي الأرض ) بدل من ( نُفُوراً ) أو مفعول لأجله ( وَمَكْرَ السيىء ) معطوف على استكبارا .والمراد بمكرهم السيئ : تصميمهم على الشرك ، تكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم ، من أجل المعاندة للحق ، والاستكبار عنه ، ومن أجل المكر السيئ الذى استولى على نفوسهم ، والحق الدفين الذى فى قلوبهم .وقوله ( السيىء ) صفة لموصوف مذحوف . وأصل التركيب : وأن مكروا المكر السيئ ، فأيم المصدر مقام أن والفعل ، وأضيف إلى ما كان صفة له .وقوله - تعالى - : ( وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ ) بيان لسوء عاقبة مكرهم ، وأن شره ما نزل إلا بهم .وقوله : ( يَحِيقُ ) بمعنى يحيط وينزل . يقول : حاق بفلان الشئ ، إذا أحاط ونزل به . أى : ولا ينزل ولا يحيط شر لك المكر السيئ إلا بأهله الماكرين .قال صاحب الكشاف : لقد حاق بهم يوم بدر . وعن النبى صلى الله عليه وسلم : " لا تمركوا ولا تعينوا ماكرا ، فإن الله - تعالى - يقول : ( وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ ) ولا تبغوا ولا تعينوا باغياً ، فإن الله - تعالى - يقول : ( ياأيها الناس إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ ) " .وقال الآلوسى - رحمه الله - : والاية عامة على الصحيح ، والأمور بعواقبها ، والله - تعالى - بمهل ولا يهمل ، وراء الدنيا الآخرة ، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون .وبالجملة : من مكر به غيره ، ونفذ فيه المكر عاجلاً فى الظاهر ، ففى الحقيقة هو الفائز ، والماكر هو الهالك .وقوله - تعالى - : ( فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ آلأَوَّلِينَ ) حض لهم على الاستجابة للحق ، وترك المكر والمخادعة والعناد . والسنة : الطريقة . .أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا ، فهل ينتظر هؤلاء الماكرون ، إلا طريقتنا فى الماكرين من قبلهم . وهى إهلاكهم ونزول العذاب والخسران بهم؟ إنهم ما ينتظرون إلا ذلك .وقوله - سبحانه - : ( فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَحْوِيلاً ) تأكيد لثبات سنته - تعالى - فى خلقه ، وتعليل لما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب .أى : هذه سنتنا وطريقتنا فى الماكرين لرسلهم ، أننا نمهلهم ولا نهملهم ، ونجعل العاقبة السيئة لهم . ولن تجد لسنة الله - تعالى - فى خلقه تبديلا بأن يضع غيرها مكانها ، ولن تجد لها تحويلا عما سارت عليه وجرت به .قال الجمل ما ملخصه : قوله : ( فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ آلأَوَّلِينَ ) مصدر مضاف لمفعوله تارة كما هنا ، ولفاعله أخرى كقوله ( فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَبْدِيلاً ) لأنه - تعالى - سنها بهم ، فصحت إضافتها للفاعل وللمفعول ، والفاء فى قوله ( فَلَن تَجِدَ ) لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب . ونفى وجدان التبديل والتحويل ، عبارة عن نفى وجودهما بالطريق البرهانى ، وتخصيص كل منهما بنفى مستقل لتأكيد انتفائهما .والمراد : بعدم التبديل . أن العذاب لا يبدل بغيره . وبعدم التحويل : أنه لا يحول عن مستحقه إلى غيره . وجمع بينهما هنا : تعميما لتهديد المسئ لقبح مكره .