وبعد أن ذكر - سبحانه - هذه الآدلة الكونية الساطعة التى تحمل الناس على إخلاص العبادة له وحده ، أتبع ذلك بتهديد الذين عموا عنها ، والذين اتخذوا آيات الله هزوا . . فقال - تعالى - : ( تَلْكَ آيَاتُ الله نَتْلُوهَا . . . عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ) .والمراد بالآيات فى قوله - سبحانه - : ( تَلْكَ آيَاتُ الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بالحق . . ) آيات القرآن الكريم ، كما فى قوله - تعالى - : ( تِلْكَ آيَاتُ الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بالحق وَإِنَّكَ لَمِنَ المرسلين ) و ( تَلْكَ ) مبتدأ ، و ( آيَاتُ الله ) خبر ، و ( نَتْلُوهَا عَلَيْكَ ) حال عاملها ما دل عليه ( تَلْكَ ) من معنى الإِشارة .وقوله ( بالحق ) حال من فاعل ( نَتْلُوهَا ) أو من مفعوله ، أى : نتلوها محقين ، أو ملتبسة بالحق .أى : تلك - أيها الرسول الكريم - آيات الله - تعالى - المنزلة إليك ، نتولها عليك تلاوة ملتبسة بالحق لا يحوم حولها باطل .وكانت الإِشارة للبعيد ، لما فى ذلك من معنى الاستقصاء للآيات ، ولعلو شأنها ، وكمال معانيها ، والوفاء فى مقاصدها .وأضاف - سبحانه - الآيات إليه ، لأنه هو الذى أنزلها على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وفى هذه الإِضافة ما فيها من التشريف لها ، والسمو لمنزلتها .وجعل - سبحانه - تلاوة جبريل للقرآن تلاوة له ، للإِشعار بشرف جبريل ، وأنه ما خرج فى تلاوة عما أمره الله - تعالى - به ، فهو رسوله الأمين ، إلى رسله المكرمين .وقوله - سبحانه - : ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) تعجيب من حالهم ، حيث أصر هؤلاء الكافرون على كفرهم ، مع وضوح البراهين والأدلة على بطلان ذلك .أى : فبأى حديث بعد آيات الله المتلوة عليك يؤمن هؤلاء الجاهلون؟ إن عدم إيمانهم بعد ظهور الأدلة والبراهين على وجوب الإِيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، دليل على انطماس بصائرهم ، واستيلاء العناد والجحود على قلوبهم .قال الآلوسى : وقوله : ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) هو من باب قولهم : أعجبنى زيد وكرمه ، يريدون أعجبنى كرم زيد ، إلا أنهم عدلوا عنه للمبالغة فى الإِعجاب .أى : فبأى حديث بعد هذه الآيات المتلوة بالحق يؤمنون ، وفيه دلالة على أنه لا بيان أزيد من هذا البيان ، ولا آية أدل من الآية .وقال الواحدى : فبأى حديث بعد حيث الله ، أى : القرآن ، وقد جاء إطلاقه عليه فى قوله - تعالى - : ( الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث . . ) وحسن الإِضمار لقرينة تقدم الحديث .وقوله ( وَآيَاتِهِ ) عطف عليه لتغايرههما إجمالا وتفصيلا . . والفاء فى جواب شرط مقدر ، والظرف صفة ( حَدِيثٍ ) .