ثم أمر الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يحض المؤمنين على التجاوز والصفح ، عما يصدر من المشركين من كلمات بذيئة ، ومن أفعال قبيحة ، حتى يأتى الله بأمره .. . فقال - تعالى - : ( قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله ) .وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها وما روى عن ابن عباس أنها نزلت فى عمر بن الخطاب ، شتمه مشرك بمكة قبل الهجرة فهَّم أن يبطش به ، فنزلت .ومقول القول محذوف لأن الجواب دال عليه . والرجاء هنا : بمعنى الخوف . والمراد بأيام الله : وقائعة بأعدائه .أى : قل - أيها الرسول الكريم - لأتباعك المؤمنين ، على سبيل النصح والإِرشاد ، قل لهم : اغفروا يغفروا للمشركين الذن لا يخافون من وقائع الله ونقمته بأعدائه ، ولا يتوقعون أن هناك عذابا شديدا سينتظرهم ، ون هناك ثوابا عظيما سينتظر المؤمنين .فالآية الكريمة توجيه حكيم للمؤمنين إلى التسامح والصبر على كيد أعدائهم ، حتى يأتى الله - تعالى - بأمره ، الذى فيه النصر للمؤمنين ، والخسران للكافرين .وقوله - سبحانه - : ( لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) علة للأمر بالصفح والمغفرة ، وهو متعلق بما قبله ، والمراد بالقوم : المؤمنون الذين أمروا بالتسامح والعفو . . والتنكير فى لفظ ( قَوْماً ) للتعظيم .أى : أمر الله المؤمنين بذلك ، ليجزيهم يوم القيامة بما سكبوا فى الدنيا من الأعمال الصالحة ، التى منها الصبر على أذى أعدائهم ، والإِغضاء عنهم ، واحتمال المكروه منهم .قال صاحب الكشاف : قوله : ( لِيَجْزِيَ قَوْماً ) تعليل للأمر بالمغفرة أى إنما أمروا بأن يغفروا ، لما أراده الله من توفيتهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة .فإن قلت : قوله : ( قَوْماً ) ما وجه تنكيره ، وإنما أراد الذين آمنوا وهم معارف؟قلت : هو مدح لهم وثناء عليهم ، كأنه قيل : لجيزى أيما قوم . أو قوما مخصوصين ، لصبرهم وإضائهم على أعدائهم من الكفار ، وعلى ما كانوا يجرعونهم من الغصص .