ثم بين - سبحانه - الأسباب التى جعلت المنافقين ينغمسون فى نفاقهم فقال : ( استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله . . . ) .وقوله : ( استحوذ ) من الحوذ : وهو أن يتبع السائق حاذيى البعير ، أى : أدبار فخذه ثم يسوقه سوقا عنيفا ، لا يستطيع البعير الفكاك منه . . . والمراد به هنا : شدة الاستيلاء والغلبة . . . ومنه قول السيدة عائشة فى عمر - رضى الله عنهما - : " كان أحوذيا " أى : كان ضابطا للأمور ، ومستوليا عليها استيلاء تاما . . .والمعنى : إن هؤلاء المنافقين قد استولى عليهم الشيطان استيلاء تاما ، بحيث صيرهم تابعين لوساوسه وتزيينه ، فهم طوع أمره ، ورهن إشارته ، فترتب على طاعتهم له أن أنساهم طاعة الله - تعالى - ، وحسابه ، وجزاءه ، فعاشوا حياتهم يتركون ما هو خير ، ويسرعون نحو ما هو شر . . .( أولئك ) الموصوفون بتلك الصفات القبيحة ( حِزْبُ الشَّيْطَانِ ) أى : جنوده وأتباعه ( أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ ) خسارة لا تقاربها خسارة ، لأنهم آثروا العاجل على الآجل ، والفانى على الباقى ، والضللا على الهدى . . .