ثم وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بتقواه وبتقديم العمل الصالح الذى ينفعهم يوم يلقونه ، ونهاهم عن التشبه بالقوم الفاسقين . . . فقال - تعالى - : ( ياأيها الذين آمَنُواْ . . . ) .والمراد بالغد فى قوله - تعالى - : ( ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ . . ) يوم القيامة . .أى : يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإيمان ( اتقوا الله ) أى صونوا أنفسكم عن كل ما يغضب الله - تعالى - ، وراقبوه فى السر والعلن . وقفوا عند حدوده فلا تتجاوزوها .( وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ) أى : ولتنظر كل نفس ، ولتتأمل فى الأعمال التى عملتها فى الدنيا . والتى ستحاسب عليها فى يوم القيامة ، فإن كانت خيرا ازدادت منها ، وإن كانت غير ذلك أقلعت عنها .وعبر - سبحانه - عن يوم القيامة بالغد ، للإشعار بقربه ، وأنه آت لا ريب فيه ، كما يأتى اليوم الذى يلى يومك . والعرب تخبر عن المستقبل القريب الغد كما فى قول الشاعر :فإن يك صدر هذا اليوم ولى ... فإن غدا لناظره قريبوقال - سبحانه - : ( وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ ) لإفادة العموم ، أى : كل نفس عليها أن تنظر نظرة محاسبة ومراجعة فى أعمالها بحيث لا تقدم إلا على ما كان صالحا منها .قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى تنكير النفس والغد؟ قلت : أما تنكير النفس فاستقلالا للأنفس النواظر فيما قدمت للآخرة ، كأنه قيل : ولتنظر نفس واحدة فى ذلك ، وأما تنكير الغد ، فلتعظيمه وإبهام أمره ، كأنه قيل : لغد لا يعرف كنهه لعظمه .وعن مالك بن دينار : مكتوب على باب الجنة : وجدنا ما عملنا ، وربحنا ما قدمنا ، وخسرنا ما خلفنا . .وكرر - سبحانه - الأمر بالتقوى فقال : ( واتقوا الله ) للتأكيد . أى : اتقوا الله بأن تؤدوا ما كلفكم به من واجبات ، وبأن تجتنبوا ما نهاكم عنه من سيئات .وقوله - سبحانه - : ( إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) تعليل للحض على التقوى أى : اتقوه فى كل ما تأتون وما تذرون ، لأنه - تعالى - لا تخفى عليه خافية من أعمالكم ، بل هو - سبحانه - محيط بها إحاطة تامة ، وسيجازيكم عليها بما تستحقون يوم القيامة .وقد جاء الأمر بتقوى الله - تعالى - فى عشرات الآيات من القرآن الكريم ، لأن تقوى الله - تعالى - هى جماع كل خير ، وملاك كل بر ، ومن الأدلة على ذلك . أننا نرى القرآن يبين لنا أن تقوى الله قد أمر بها كل نبى قومه ، قال - تعالى - : ( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ ) وتارة نجد القرآن الكريم يبين لنا الآثار الطيبة التى تترتب على تقوى الله فى الدنيا والآخرة ، فيقول : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض . . ) ويقول : ( وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ )ويقول - سبحانه - : ( الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين ) ويقول - عز وجل - : ( إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ).