ثم بين - سبحانه - الأسباب التى أدت إلى سوء عاقبة هؤلاء السابقين فقال : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات فقالوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ) .أى : ذلك الذى أصاب الأقوام السابقين من هلاك ودمار ، سببه أنهم كانت تأتيهم رسلهم بالآيات البينات ، وبالمعجزات الواضحات ، الدالة على صدقهم ، فما كان من هؤلاء الأقوام إلا أن أعرضوا عن دعوة الرسل ، وقال كل قوم منهم لرسولهم على سبيل الإنكار والتكذيب والتعجب : أبشر مثلنا يهدوننا إلى الحق والرشد؟!فالباء فى قوله ( بِأَنَّهُ ) للسببية ، والضمير ضمير الشأن لقصد التهويل والاستفهام فى قوله ( أَبَشَرٌ ) للإنكار والمراد بالبشر : الجنس ، وهو مرفوع على أنه مبتدأ وخبره جملة ( يَهْدُونَنَا ) .وشبيه بهذه الآية ما حكاه القرآن من قول قوم صالح له : ( فقالوا أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ . . . ) والفاء فى قوله : ( فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ واستغنى الله ) للسببية .أى : فكفروا بسبب هذا القول الفاسد : ( وَتَوَلَّواْ ) أى : وأعرضوا عن الحق إعراضا تاما ( واستغنى الله ) أى : واستغنى الله - تعالى - عنهم وعن إيمانهم ، والسين والتاء للمبالغة فى غناه - سبحانه - عنهم .( والله غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) أى : والله - تعالى - غنى عنهم وعن العالمين ، محمود من كل مخلوقاته بلسان الحال والمقال وهو - تعالى - يجازى الشاكرين له بما يستحقونه من جزاء كريم .