وقوله : ( ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) تعجيز إثر تعجيز ، وتحد فى أعقاب تحد . . أى : ثم لا تكتف بإعادة النظر مرة واحدة ، فربما يكون قد فاتك شئ فى النظرة الأولى والثانية . . بل أعد النظر مرات ومرات . . فتكون النتيجة التى لا مفر لك منها ، أن بصرك - بعد طول النظر والتأمل - ينقلب إليك خائبا وهو كليل متعب . . لأنه - بعد هذا النظر الكثير - لم يجد فى خلقنا شيئا من الخلل أو الوهن أو التفاوت .قال صاحب الكشاف ما ملخصه : قوله ( يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ ) أى : إن رجعت البصر ، وكررت النظر ، لم يرجع إليك بصرك بما التمسته من رؤية الخلل ، وإدراك العيب ، بل يرجع إليك بالخسوء والحسور . . أى : بالبعد عن إصابة الملتمس .فإن قلت : كيف ينقلب البصر خاسئا حسيرا برجعه كرتين اثنتين؟قلت : معنى التثنية هنا التكرير بكثرة كقولك لبيك وسعديك . .فإن قلت : فما معنى ( ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ ) ؟ قلت : أمره برجع البصر ، ثم أمره بأن لا يقتنع بالرجعة الأولى ، وبالنظرة الحمقاء وأن يتوقف بعدها ، ويُجِم بصره ثم يعاود ويعاود ، إلى أن يَحْسِر بصرُه من طول المعاودة ، فإنه لا يعثر على شئ من فطور . .هذا ، والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة ، يراها قد ساقت ما يدل على وحدانية الله - تعالى - وقدرته بأبلغ أسلوب ، ودعت الغافلين الذين فسقوا عن أمر ربهم ، إلى التدبر فى هذا الكون الذى أوجده - سبحانه - فى أبدع صورة وأتقنها ، فإن هذا التدبر من شأنه أن يهدى إلى الحق ، ويرشد إلى الصواب . .