ثم حذر - سبحانه - من بطشه وعقابه فقال : ( أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السمآء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ) . .والخسف : انقلاب ظاهر السطح من بعض الأرض فصير باطنا ، والباطن ظاهرا . .والمَوْر : شدة الاضطراب والتحرك . يقال : مار الشئ مَوْرا ، إذا ارتج واضطرب ، والمراد بمن فى السماء : الله - عز وجل - بدون تحيز أو تشبيه أو حلول فى مكان .قال الإمام الآلوسى : قوله : ( أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السمآء ) وهو الله - عز وجل - كما ذهب إليه غير واحد ، فقيل على تأويل : من فى السماء أمره وقضاؤه ، يعنى أنه من التجوز فى الإِسناد ، أو أن فيه مضافا مقدرا ، وأصله : من فى السماء أمره ، فلما حذف وأقيم المضاف إليه مقامه ارتفع واستتر ، وقيل على تقدير : خالق من فى السماء . .وقيل فى بمعنى على ، ويراد العلو بالقهر والقدرة . .وأئمة السلف لم يذهبوا إلى غيره - والآية عندهم من المتشابه وقد قال صلى الله عليه وسلم آمنوا بمتشابهه ولم يقل أولوه . فهم مؤمنون بأنه - عز وجل - فى السماء : على المعنى الذى أراده - سبحانه - مع كمال التنزيه . وحديث الجارية - التى قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم أين الله؟ فأشارت إلى السماء - من أقوى الأدلة فى هذا الباب . وتأويله بما أول به الخلف ، خروج عن دائرة الإِنصاف عند ذوى الألباب . .والمعنى : أأمنتم - أيها الناس - من فى السماء وهو الله - عز وجل - أن يذهب الأرض بكم ، فيجعل أعلاها أسفلها . . فإذا هى تمور بكم وتضطرب ، وترتج ارتجاجا شديدا تزول معه حياتكم .فالمقصود بالآية الكريمة تهديد الذين يخالفون أمره ، بهذا العذاب الشديد ، وتحذيرهم من نسيان بطشه وعقابه .والباء فى قوله ( بِكُم ) للمصاحبة . أى : يخسفها وأنتم مصاحبون لها بذواتكم ، بعد أن كانت مذللة ومسخرة لمنفعتكم . .