Tafseer Al Qurtubi

Multiple Ayahs

Tags

Download Links

Tafseer Al Qurtubi tafsir for Surah Al-Jinn — Ayah 27

عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ فَلَا يُظۡهِرُ عَلَىٰ غَيۡبِهِۦٓ أَحَدًا ٢٦ إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسۡلُكُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ رَصَدٗا ٢٧

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: عالِمُ الْغَيْبِ عالِمُ رَفْعًا نَعْتًا لِقَوْلِهِ: رَبِّي. وَقِيلَ: أَيْ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالْغَيْبُ مَا غَابَ عَنِ الْعِبَادِ. وقد تقدم بيانه في أول سُورَةِ (الْبَقَرَةِ) [[راجع ج ١ ص ١٦٣.]] (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يُظْهِرُهُ على ما يشاء من غيبه، لِأَنَّ الرُّسُلَ مُؤَيَّدُونَ بِالْمُعْجِزَاتِ، وَمِنْهَا الْإِخْبَارُ عَنْ بَعْضِ الْغَائِبَاتِ، وَفِي التَّنْزِيلِ [[راجع ج ٤ ص ٩٥.]]: وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران: ٤٩]. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَفِيهِ بُعْدٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَيْ لَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى أَيِ اصْطَفَى لِلنُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ يُطْلِعُهُ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ غيبه [[في ح: (من غيبه بطريق الوحى إليهم ليكون .. ).]]: ليكون ذلك دالا على نبوته. الثانية- قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: لَمَّا تَمَدَّحَ سُبْحَانَهُ بِعِلْمِ الْغَيْبِ وَاسْتَأْثَرَ بِهِ دُونَ خَلْقِهِ، كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ أَحَدٌ سِوَاهُ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مَنِ ارْتَضَاهُ مِنَ الرُّسُلِ، فَأَوْدَعَهُمْ مَا شَاءَ مِنْ غَيْبِهِ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ إِلَيْهِمْ، وَجَعَلَهُ مُعْجِزَةً لَهُمْ وَدِلَالَةً صَادِقَةً عَلَى نُبُوَّتِهِمْ. وَلَيْسَ الْمُنَجِّمُ وَمَنْ ضَاهَاهُ مِمَّنْ يَضْرِبُ بِالْحَصَى وَيَنْظُرُ فِي الْكُتُبِ وَيَزْجُرُ بِالطَّيْرِ مِمَّنِ ارْتَضَاهُ مِنْ رَسُولٍ فَيُطْلِعَهُ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ غَيْبِهِ، بَلْ هُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ بِحَدْسِهِ وَتَخْمِينِهِ وَكَذِبِهِ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَلَيْتَ شِعْرِي مَا يَقُولُ الْمُنَجِّمَ فِي سَفِينَةٍ رَكِبَ فِيهَا أَلْفُ إِنْسَانٍ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ، وَتَبَايُنِ رُتَبِهِمْ، فِيهِمُ الْمَلِكُ وَالسُّوقَةُ، وَالْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ، وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَالْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، مَعَ اخْتِلَافِ طَوَالِعِهِمْ، وَتَبَايُنِ مَوَالِيدِهِمْ، وَدَرَجَاتِ نُجُومِهِمْ، فَعَمَّهُمْ حُكْمُ الْغَرَقِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَإِنْ قَالَ الْمُنَجِّمُ قَبَّحَهُ اللَّهُ: إِنَّمَا أَغْرَقَهُمُ الطَّالِعُ الَّذِي رَكِبُوا فِيهِ، فَيَكُونُ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الطَّالِعَ أَبْطَلَ أَحْكَامَ تِلْكَ الطَّوَالِعِ كُلِّهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا عِنْدَ وِلَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَمَا يَقْتَضِيهِ طَالِعُهُ الْمَخْصُوصُ بِهِ، فَلَا فَائِدَةَ أَبَدًا فِي عَمَلِ الْمَوَالِيدِ، وَلَا دِلَالَةَ فِيهَا عَلَى شَقِيٍّ وَلَا سَعِيدٍ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُعَانَدَةُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. وَفِيهِ اسْتِحْلَالُ دَمِهِ عَلَى هَذَا التَّنْجِيمِ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الشَّاعِرُ حَيْثُ قَالَ:

حَكَمَ الْمُنَجِّمُ أَنَّ طَالِعَ مَوْلِدِي ... يَقْضِي عَلَيَّ بِمِيتَةِ الْغَرَقِ

قُلْ لِلْمُنَجِّمِ صُبْحَةَ الطُّوفَانِ هَلْ ... وُلِدَ الْجَمِيعُ بِكَوْكَبِ الْغَرَقِ

وَقِيلَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه لَمَّا أَرَادَ لِقَاءَ الْخَوَارِجِ: أَتَلْقَاهُمْ وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ؟ فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَأَيْنَ قَمَرُهُمْ؟ وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ. فَانْظُرْ إِلَى هذه الْكَلِمَةِ الَّتِي أَجَابَ بِهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالتَّنْجِيمِ، وَالْإِفْحَامِ لِكُلِّ جَاهِلٍ يُحَقِّقُ أَحْكَامَ النُّجُومِ. وَقَالَ لَهُ مُسَافِرُ بْنُ عَوْفٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَا تَسِرْ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَسِرْ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ يَمْضِينَ مِنَ النَّهَارِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلِمَ؟ قَالَ: إِنَّكَ إِنْ سِرْتَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ أَصَابَكَ وَأَصَابَ أَصْحَابَكَ بَلَاءٌ وَضُرٌّ شَدِيدٌ، وَإِنْ سِرْتَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَمَرْتُكَ بِهَا ظَفِرْتَ وَظَهَرْتَ وَأَصَبْتَ مَا طَلَبْتَ. فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا كَانَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ مُنَجِّمٌ، وَلَا لَنَا مِنْ بَعْدِهِ [[جملة: (من بعده) ساقطة من ا، ح.]] - مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ يَحْتَجُّ فِيهِ بِآيَاتٍ مِنَ التَّنْزِيلِ- فَمَنْ صَدَّقَكَ فِي هَذَا الْقَوْلِ لَمْ آمَنْ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَمَنِ اتَّخَذَ مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا أَوْ ضِدًّا، اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ. ثُمَّ قَالَ لِلْمُتَكَلِّمِ: نُكَذِّبُكَ وَنُخَالِفُكَ وَنَسِيرُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تَنْهَانَا عَنْهَا. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَتَعَلُّمَ النُّجُومِ إِلَّا مَا تَهْتَدُونَ بِهِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَإِنَّمَا الْمُنَجِّمُ كَالسَّاحِرِ، وَالسَّاحِرُ كَالْكَافِرِ، وَالْكَافِرُ فِي النَّارِ، وَاللَّهِ لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَنْظُرُ فِي النُّجُومِ وَتَعْمَلُ بِهَا لَأُخَلِّدَنَّكَ فِي الْحَبْسِ مَا بَقِيتَ وَبَقِيتُ، وَلَأَحْرِمَنَّكَ الْعَطَاءَ مَا كَانَ لِي سُلْطَانٌ. ثُمَّ سَافَرَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي نَهَاهُ عَنْهَا، وَلَقِيَ الْقَوْمَ فَقَتَلَهُمْ وَهِيَ وَقْعَةُ النَّهْرَوَانِ الثَّابِتَةُ فِي الصَّحِيحِ لِمُسْلِمٍ. ثُمَّ قَالَ: لَوْ سِرْنَا فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا وَظَفِرْنَا وَظَهَرْنَا لَقَالَ قَائِلٌ سَارَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الْمُنَجِّمُ، مَا كَانَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ مُنَجِّمٌ وَلَا لَنَا مِنْ بَعْدِهِ، فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا بِلَادَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَسَائِرَ الْبُلْدَانِ- ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! تَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ وَثِقُوا بِهِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي مِمَّنْ سِوَاهُ.

(فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) يَعْنِي مَلَائِكَةً يَحْفَظُونَهُ عَنْ أَنْ يَقْرَبَ مِنْهُ شَيْطَانٌ، فَيَحْفَظُ الْوَحْيَ مِنِ اسْتِرَاقِ الشَّيَاطِينِ وَالْإِلْقَاءِ إِلَى الْكَهَنَةِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا وَمَعَهُ مَلَائِكَةٌ يَحْرُسُونَهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ عَنْ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِصُورَةِ الْمَلَكِ، فَإِذَا جَاءَهُ شَيْطَانٌ فِي صُورَةِ الْمَلَكِ قَالُوا: هَذَا شَيْطَانٌ فَاحْذَرْهُ. وَإِنْ جَاءَهُ الْمَلَكُ قَالُوا: هَذَا رَسُولُ رَبِّكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ زَيْدٍ: رَصَداً أَيْ حَفَظَةً يَحْفَظُونَ النَّبِيَّ ﷺ مِنْ أَمَامِهِ وَوَرَائِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ. قَالَ قَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: هُمْ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَفَظَةٌ. وَقَالَ الفراء: المراد جبريل، كان إِذَا نَزَلَ بِالرِّسَالَةِ نَزَلَتْ مَعَهُ مَلَائِكَةٌ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَنْ تَسْتَمِعَ الْجِنُّ الْوَحْيَ، فَيُلْقُوهُ إِلَى كَهَنَتِهِمْ، فَيَسْبِقُوا الرَّسُولَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: رَصَداً أَيْ حَفَظَةً يَحْفَظُونَ الْوَحْيَ، فَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالُوا: إِنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا ألقاه الشيطان قالوا: إنه من الشيطان [[هذا الكلام ينافي قوله ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ عصمني من الانس والجن) (الحديث ج ٦ ص ٢٤٤) وأن الشياطين لا يمكن أن ينالوا منه عليه السلام فكيف يلقون إليه حتى لا يفرق بين ما يلقونه وبين الوحى إلى أن تبينه الملائكة.]]. ورَصَداً نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ. وَفِي الصِّحَاحِ: وَالرَّصَدُ الْقَوْمُ يَرْصُدُونَ كَالْحَرَسِ، يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَرُبَّمَا قَالُوا أَرْصَادًا. وَالرَّاصِدُ لِلشَّيْءِ الرَّاقِبُ لَهُ، يُقَالُ: رَصَدَهُ يَرْصُدُهُ رَصْدًا وَرَصَدًا. وَالتَّرَصُّدُ الترقب والمرصد موضع الرصد [[في، ح: (موضع الرقب).]].

Tafsir Resource

QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats. Tafsir text may include <html> tags for formatting such as <b>, <i>, etc.

Example JSON Format:

{
  "2:3": {
    "text": "tafisr text.",
    "ayah_keys": ["2:3", "2:4"]
  },
  "2:4": "2:3"
}
  • Keys in the JSON are "ayah_key" in "surah:ayah", e.g. "2:3" means 3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
  • The value of ayah key can either be:
    • an object — this is the main tafsir group. It includes:
      • text: the tafsir content (can include HTML)
      • ayah_keys: an array of ayah keys this tafsir applies to
    • a string — this indicates the tafsir is part of a group. The string points to the ayah_key where the tafsir text can be found.

SQLite exports includes the following columns

  • ayah_key: the ayah for which this record applies.
  • group_ayah_key: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
  • from_ayah / to_ayah: start and end ayah keys for convenience (optional).
  • ayah_keys: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.
  • text: tafsir text. If blank, use the text from the group_ayah_key.