You are reading tafsir of 2 ayahs: 72:16 to 72:17.
﴿وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلى الطَّرِيقَةِ لَأسْقَيْناهم ماءً غَدَقًا﴾ ﴿لِنَفْتِنَهم فِيهِ ومَن يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ نَسْلُكْهُ عَذابًا صَعَدًا﴾
اتَّفَقَ القُرّاءُ العَشَرَةُ عَلى فَتْحِ هَمْزَةِ ﴿أنْ لَوِ اسْتَقامُوا﴾، فَجُمْلَةُ ﴿أنْ لَوِ اسْتَقامُوا﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿أنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ﴾ [الجن: ١]، والواوُ مِنَ الحِكايَةِ لا مِنَ المَحْكِيِّ، فَمَضْمُونُها شَأْنٌ ثانٍ مِمّا أُوحِيَ إلى النَّبِيءِ ﷺ وأمَرَهُ اللَّهُ أنْ يَقُولَهُ لِلنّاسِ. والتَّقْدِيرُ: وأُوحِيَ إلَيَّ أنَّهُ لَوِ اسْتَقامَ القاسِطُونَ فَأسْلَمُوا لَما أصابَهُمُ اللَّهُ بِإمْساكِ الغَيْثِ.
و(أنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وجِيءَ بِـ (أنْ) المَفْتُوحَةِ الهَمْزَةِ؛ لِأنَّ ما بَعْدَها مَعْمُولٌ لِفِعْلِ أُوحِيَ فَهو في تَأْوِيلِ المَصْدَرِ، واسْمُها مَحْذُوفٌ وهو ضَمِيرُ الشَّأْنِ وخَبَرُهُ ﴿لَوِ اسْتَقامُوا﴾ إلى آخِرِ الجُمْلَةِ. وسَبْكُ الكَلامِ: أُوحِيَ إلَيَّ إسْقاءُ اللَّهِ إيّاهم ماءً في فَرْضِ اسْتِقامَتِهِمْ.
وضَمِيرُ اسْتَقامُوا يَجُوزُ أنْ يَعُودَ إلى القاسِطِينَ بِدُونِ اعْتِبارِ القَيْدِ بِأنَّهم مِنَ الجِنِّ وهو مِن عَوْدِ الضَّمِيرِ إلى اللَّفْظِ مُجَرَّدًا عَنْ ماصَدَقَهُ كَقَوْلِكَ: عِنْدِي دِرْهَمٌ ونِصْفُهُ، أيْ: نِصْفُ دِرْهَمٍ آخَرَ.
صفحة ٢٣٨
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عائِدًا إلى غَيْرِ مَذْكُورٍ في الكَلامِ ولَكِنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنَ المَقامِ إذِ السُّورَةُ مَسُوقَةٌ لِلتَّنْبِيهِ عَلى عِنادِ المُشْرِكِينَ وطَعْنِهِمْ في القُرْآنِ، فَضَمِيرُ اسْتَقامُوا عائِدٌ إلى المُشْرِكِينَ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في ضَمائِرِ الغَيْبَةِ الَّتِي في القُرْآنِ، وكَذَلِكَ أسْماءُ الإشارَةِ كَما تَنَبَّهْنا إلَيْهِ ونَبَّهْنا عَلَيْهِ، ولا يُناسِبُ أنْ يُعادَ عَلى القاسِطِينَ مِنَ الجِنِّ إذْ لا عَلاقَةَ لِلْجِنِّ بِشُرْبِ الماءِ.والِاسْتِقامَةُ عَلى الطَّرِيقَةِ: اسْتِقامَةُ السَّيْرِ في الطَّرِيقِ، وهي السَّيْرُ عَلى بَصِيرٍ بِالطَّرِيقِ دُونَ اعْوِجاجٍ ولا اغْتِرارٍ بِبُنَيّاتِ الطَّرِيقِ.
والطَّرِيقَةُ: الطَّرِيقُ، ولَعَلَّها خاصَّةٌ بِالطَّرِيقِ الواسِعِ الواضِحِ كَما تَقَدَّمَ آنِفًا في قَوْلِهِ ﴿كُنّا طَرائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١] .
والِاسْتِقامَةُ عَلى الطَّرِيقَةِ تَمْثِيلٌ لِهَيْئَةِ المُتَّصِفِ بِالسُّلُوكِ الصّالِحِ والِاعْتِقادِ الحَقِّ بِهَيْئَةِ السّائِرِ سَيْرًا مُسْتَقِيمًا عَلى طَرِيقَةٍ، ولِذَلِكَ فالتَّعْرِيفُ في الطَّرِيقَةِ لِلْجِنْسِ لا لِلْعَهْدِ.
وقَوْلُهُ ﴿لَأسْقَيْناهم ماءً غَدَقًا﴾: وعْدٌ بِجَزاءٍ عَلى الِاسْتِقامَةِ في الدِّينِ جَزاءً حَسَنًا في الدُّنْيا يَكُونُ عُنْوانًا عَلى رِضى اللَّهِ تَعالى وبِشارَةً بِثَوابِ الآخِرَةِ قالَ تَعالى ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى وهو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهم أجْرَهم بِأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧] .
وفِي هَذا إنْذارٌ بِأنَّهُ يُوشِكُ أنْ يُمْسِكَ عَنْهُمُ المَطَرَ فَيَقَعُوا في القَحْطِ والجُوعِ وهو ما حَدَثَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيءِ ﷺ إلى المَدِينَةِ ودُعائِهِ عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ فَإنَّهُ دَعا بِذَلِكَ في المَدِينَةِ في القُنُوتِ كَما في حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ وقَدْ بَيَّنّا ذَلِكَ في سُورَةِ الدُّخانِ. وقَدْ كانُوا يَوْمَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ في بُحْبُوحَةٍ مِنَ العَيْشِ وفي نَخِيلٍ وجَنّاتٍ، فَكانَ جَعْلُ تَرَتُّبِ الإسْقاءِ عَلى الِاسْتِقامَةِ عَلى الطَّرِيقَةِ كَما اقْتَضاهُ الشَّرْطُ بِحَرْفِ (لَوْ) مُشِيرًا إلى أنَّ المُرادَ: لَأدَمْنا عَلَيْهِمُ الإسْقاءَ بِالماءِ الغَدَقِ، وإلى أنَّهم لَيْسُوا بِسالِكِينَ سَبِيلَ الِاسْتِقامَةِ فَيُوشِكُ أنْ يُمْسِكَ عَنْهُمُ الرَّيَّ، فَفي هَذا إنْذارٌ بِأنَّهم إنِ اسْتَمَرُّوا عَلى اعْوِجاجِ الطَّرِيقَةِ أُمْسِكَ عَنْهُمُ الماءُ. وبِذَلِكَ يَتَناسَبُ التَّعْلِيلُ بِالإفْتانِ في قَوْلِهِ ﴿لِنَفْتِنَهم فِيهِ﴾ مَعَ الجُمْلَةِ السّابِقَةِ إذْ يَكُونُ تَعْلِيلًا لِما تَضَمَّنَهُ مَعْنى إدامَةِ الإسْقاءِ فَإنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْإسْقاءِ المَوْجُودِ حِينَ نُزُولِ
صفحة ٢٣٩
الآيَةِ ولَيْسَ تَعْلِيلًا لِلْإسْقاءِ المَفْرُوضِ في جَوابِ (لَوْ) لَأنَّ جَوابَ (لَوْ) مُنْتَفٍ فَلا يَصْلُحُ لَأنْ يُعَلَّلَ بِهِ، وإنَّما هم مَفْتُونُونَ بِما هم فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ فَأرادَ اللَّهُ أنْ يُوقِظَ قُلُوبَهم بِأنَّ اسْتِمْرارَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ فِتْنَةٌ لَهم فَلا تَغُرَّنَّهم. فَلامُ التَّعْلِيلِ في قَوْلِهِ ﴿لِنَفْتِنَهم فِيهِ﴾ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ﴿ماءً غَدَقًا﴾ وهو الماءُ الجارِي لَهم في العُيُونِ ومِنَ السَّماءِ تَحْتَ جَنّاتِهِمْ وفي زُرُوعِهِمْ، فَهي حالٌ مُقارَنَةٌ.وبِهَذا التَّفْسِيرِ تَزُولُ الحَيْرَةُ في اسْتِخْلاصِ مَعْنى الآيَةِ وتَعْلِيلِها.
والغَدَقُ: بِفَتْحِ الغَيْنِ المُعْجَمَةِ وفَتْحِ الدّالِ الماءُ الغَزِيرُ الكَثِيرُ.
وجُمْلَةُ ﴿لِنَفْتِنَهم فِيهِ﴾ إدْماجٌ فَهي مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلى الطَّرِيقَةِ﴾ إلَخْ، وبَيْنَ جُمْلَةِ ﴿ومَن يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ إلَخْ.
ثُمَّ أُكِّدَتِ الكِنايَةُ عَنِ الإنْذارِ المَأْخُوذَةُ مِن قَوْلِهِ ﴿وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلى الطَّرِيقَةِ لَأسْقَيْناهُمْ﴾ الآيَةَ، بِصَرِيحِ الإنْذارِ بِقَوْلِهِ (﴿ومَن يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ نَسْلُكْهُ عَذابًا صَعَدًا﴾)، أيْ: فَإنْ أعْرَضُوا انْقَلَبَ حالُهم إلى العَذابِ فَسَلَكْنا بِهِمْ مَسالِكَ العَذابِ.
والسَّلْكُ: حَقِيقَتُهُ الإدْخالُ، وفِعْلُهُ قاصِرٌ ومُتَعَدٍّ، يُقالُ: سَلَكَهُ فَسَلَكَ، قالَ الأعْشى:
كَما سَلَكَ السِّكِّيَّ في البابِ فَيْتَقُ
أيْ: أدْخَلَ المِسْمارَ في البابِ نَجّارٌ.وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ في قُلُوبِ المُجْرِمِينَ﴾ [الحجر: ١٢] في سُورَةِ الحِجْرِ.
واسْتُعْمِلَ السَّلْكُ هُنا في مَعْنى شِدَّةِ وُقُوعِ الفِعْلِ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِعارَةِ وهي اسْتِعارَةٌ عَزِيزَةٌ. والمَعْنى: نُعَذِّبُهُ عَذابًا لا مَصْرِفَ عَنْهُ.
وانْتَصَبَ عَذابًا عَلى نَزْعِ الخافِضِ وهو حَرْفُ الظَّرْفِيَّةِ، وهي ظَرْفِيَّةٌ مَجازِيَّةٌ تَدُلُّ عَلى أنَّ العَذابَ إذا حَلَّ بِهِ يُحِيطُ بِهِ إحاطَةَ الظَّرْفِ بِالمَظْرُوفِ.
والعُدُولُ عَنِ الإضْمارِ إلى الإظْهارِ في قَوْلِهِ ﴿عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ دُونَ أنْ يَقُولَ:
صفحة ٢٤٠
عَنْ ذِكْرِنا، أوْ عَنْ ذِكْرِي، لِاقْتِضاءِ الحالِ الإيماءَ إلى وجْهِ بِناءِ الخَبَرِ فَإنَّ المُعْرِضَ عَنْ رَبِّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وأنْشَأهُ ودَبَّرَهُ حَقِيقٌ بِأنْ يُسْلَكَ عَذابًا صَعَدًا.والصَّعَدُ: الشّاقُّ الغالِبُ، وكَأنَّهُ جاءَ مِن مَصْدَرِ صَعِدَ كَفَرِحَ إذا عَلا وارْتَفَعَ، أيْ: صَعِدَ عَلى مَفْعُولِهِ وغَلَبَهُ، كَما يُقالُ: عَلاهُ بِمَعْنى تَمَكَّنَ مِنهُ، ﴿وأنْ لا تَعْلُوا عَلى اللَّهِ﴾ [الدخان: ١٩] .
وقَرَأ الجُمْهُورُ (نَسْلُكْهُ) بِنُونِ العَظَمَةِ فَفِيهِ التِفاتٌ. وقَرَأهُ عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ ويَعْقُوبُ وخَلَفٌ ”يَسْلُكُهُ“ بِياءِ الغائِبِ، فالضَّمِيرُ المُسْتَتِرُ يَعُودُ إلى رَبِّهِ.
QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats.
Tafsir text may include <html>
tags for formatting such as <b>
,
<i>
, etc.
Note:
Tafsir content may span multiple ayahs. QUL exports both the tafsir text and the ayahs it applies to.
Example JSON Format:
{ "2:3": { "text": "tafisr text.", "ayah_keys": ["2:3", "2:4"] }, "2:4": "2:3" }
"ayah_key"
in "surah:ayah"
, e.g. "2:3"
means
3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
text
: the tafsir content (can include HTML)ayah_keys
: an array of ayah keys this tafsir applies toayah_key
where the tafsir text can be found.
ayah_key
: the ayah for which this record applies.group_ayah_key
: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
from_ayah
/ to_ayah
: start and end ayah keys for convenience (optional).ayah_keys
: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.text
: tafsir text. If blank, use the text
from the group_ayah_key
.