﴿واصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ واهْجُرْهم هَجْرًا جَمِيلًا﴾
صفحة ٢٦٨
عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿فاتَّخِذْهُ وكِيلًا﴾ [المزمل: ٩]، والمُناسَبَةُ أنْ الصَّبْرَ عَلى الأذى يُسْتَعانُ عَلَيْهِ بِالتَّوَكُّلِ عَلى اللَّهِ.وضَمِيرُ يَقُولُونَ عائِدٌ إلى المُشْرِكِينَ، ولَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مُعادٌ فَهو مِنَ الضَّمائِرِ الَّتِي اسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِ مُعادِها بِأنَّهُ مَعْلُومٌ لِلسّامِعِينَ كَما تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، ومِن ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلى الطَّرِيقَةِ﴾ [الجن: ١٦] الآياتِ، مِن سُورَةِ ﴿قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ﴾ [الجن: ١]، ولِأنَّهُ سَيَأْتِي عَقِبَهُ قَوْلُهُ ﴿وذَرْنِي والمُكَذِّبِينَ﴾ [المزمل: ١١] فَيُبَيِّنُ المُرادَ مِنَ الضَّمِيرِ.
وقَدْ مَضى في السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ المُزَّمِّلِ مَقالاتُ أذًى مِنَ المُشْرِكِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَفي سُورَةِ العَلَقِ ﴿أرَأيْتَ الَّذِي يَنْهى﴾ [العلق: ٩] ﴿عَبْدًا إذا صَلّى﴾ [العلق: ١٠] . قِيلَ هو أبُو جَهْلٍ تَهَدَّدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَئِنْ صَلّى في المَسْجِدِ الحَرامِ لَيَفْعَلَنَّ ويَفْعَلَنَّ. وفِيها ﴿إنَّ الإنْسانَ لَيَطْغى﴾ [العلق: ٦] ﴿أنْ رَآهُ اسْتَغْنى﴾ [العلق: ٧] . قِيلَ هو الأخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ تَنَكَّرَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ أنْ كانَ حَلِيفَهُ، وفي سُورَةِ القَلَمِ ﴿ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ [القلم: ٢] إلى قَوْلِهِ ﴿فَسَتُبْصِرُ ويُبْصِرُونَ﴾ [القلم: ٥] ﴿بِأيِّكُمُ المَفْتُونُ﴾ [القلم: ٦]، وقَوْلِهِ ﴿ولا تُطِعْ كُلَّ حَلّافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم: ١٠] إلى قَوْلِهِ ﴿قالَ أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [القلم: ١٥] رَدًّا لِمَقالاتِهِمْ. وفي سُورَةِ المُدَّثِّرِ إنْ كانَتْ نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ المُزَّمِّلِ ﴿ذَرْنِي ومَن خَلَقْتُ وحِيدًا﴾ [المدثر: ١١] إلى قَوْلِهِ ﴿إنْ هَذا إلّا قَوْلُ البَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٥]، قِيلَ: قائِلُ ذَلِكَ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ فَلِذَلِكَ أمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ بِالصَّبْرِ عَلى ما يَقُولُونَ.
والهَجْرُ الجَمِيلُ: هو الحَسَنُ في نَوْعِهِ، فَإنَّ الأحْوالَ والمَعانِيَ مِنها حَسَنٌ ومِنها قَبِيحٌ في نَوْعِهِ، وقَدْ يُقالُ: كَرِيمٌ، وذَمِيمٌ، وخالِصٌ، وكَدِرٌ، ويَعْرِضُ الوَصْفُ لِلنَّوْعِ بِما مِن شَأْنِهِ أنْ يَقْتَرِنَ بِهِ مِن عَوارِضَ تُناسِبُ حَقِيقَةَ النَّوْعِ فَإذا جُرِّدَتِ الحَقِيقَةُ عَنِ الأعْراضِ الَّتِي قَدْ تَعْتَلِقُ بِها كانَ نَوْعُها خالِصًا، وإذا أُلْصِقَ بِالحَقِيقَةِ ما لَيْسَ مِن خَصائِصِها كانَ النَّوْعُ مُكَدَّرًا قَبِيحًا، وقَدْ أشارَ إلى هَذا قَوْلُهُ تَعالى ﴿لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكم بِالمَنِّ والأذى﴾ [البقرة: ٢٦٤] . وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنِّي أُلْقِيَ إلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٢٩] في سُورَةِ النَّمْلِ، ومِن هَذا المَعْنى قَوْلُهُ (﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ [يوسف: ١٨]) في سُورَةِ يُوسُفَ، وقَوْلُهُ ﴿فاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ [المعارج: ٥] في سُورَةِ المَعارِجِ.
فالهَجْرُ الجَمِيلُ هو الَّذِي يَقْتَصِرُ صاحِبُهُ عَلى حَقِيقَةِ الهَجْرِ، وهو تَرْكُ المُخالَطَةِ فَلا يَقْرِنُها بِجَفاءٍ آخَرَ أوْ أذًى، ولَمّا كانَ الهَجْرُ يَنْشَأُ عَنْ بُغْضِ المَهْجُورِ، أوْ كَراهِيَةِ
صفحة ٢٦٩
أعْمالِهِ كانَ مُعَرَّضًا لِأنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ أذًى مِن سَبٍّ أوْ ضَرْبٍ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ. فَأمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِهَجْرِ المُشْرِكِينَ هَجْرًا جَمِيلًا، أيْ: أنْ يَهْجُرَهم ولا يَزِيدَ عَلى هَجْرِهِمْ سَبًّا أوِ انْتِقامًا.وهَذا الهَجْرُ: هو إمْساكُ النَّبِيءِ ﷺ عَنْ مُكافَأتِهِمْ بِمِثْلِ ما يَقُولُونَهُ مِمّا أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿واصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ﴾ .
ولَيْسَ مُنْسَحِبًا عَلى الدَّعْوَةِ لِلدِّينِ فَإنَّها مُسْتَمِرَّةٌ ولَكِنَّها تَبْلِيغٌ عَنِ اللَّهِ تَعالى فَلا يُنْسَبُ إلى النَّبِيءِ ﷺ .
وقَدِ انْتَزَعَ فَخْرُ الدِّينِ مِن هَذِهِ الآيَةِ مَنزَعًا خُلُقِيًّا بِأنَّ اللَّهَ جَمَعَ ما يَحْتاجُ إلَيْهِ الإنْسانُ في مُخالَطَةِ النّاسِ في هاتَيْنِ الكَلِمَتَيْنِ؛ لِأنَّ المَرْءَ إمّا أنْ يَكُونَ مُخالِطًا فَلا بُدَّ لَهُ مِنَ الصَّبْرِ عَلى أذاهم وإيحاشِهِمْ؛ لِأنَّهُ إنْ أطْمَعَ نَفْسَهُ بِالرّاحَةِ مَعَهم لَمْ يَجِدْها مُسْتَمِرَّةً فَيَقَعُ في الغُمُومِ إنْ لَمْ يَرِضْ نَفْسَهُ بِالصَّبْرِ عَلى أذاهم، وإنْ تَرَكَ المُخالَطَةَ فَذَلِكَ هو الهَجْرُ الجَمِيلُ.
QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats.
Tafsir text may include <html>
tags for formatting such as <b>
,
<i>
, etc.
Note:
Tafsir content may span multiple ayahs. QUL exports both the tafsir text and the ayahs it applies to.
Example JSON Format:
{ "2:3": { "text": "tafisr text.", "ayah_keys": ["2:3", "2:4"] }, "2:4": "2:3" }
"ayah_key"
in "surah:ayah"
, e.g. "2:3"
means
3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
text
: the tafsir content (can include HTML)ayah_keys
: an array of ayah keys this tafsir applies toayah_key
where the tafsir text can be found.
ayah_key
: the ayah for which this record applies.group_ayah_key
: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
from_ayah
/ to_ayah
: start and end ayah keys for convenience (optional).ayah_keys
: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.text
: tafsir text. If blank, use the text
from the group_ayah_key
.