Tafsir Al-Razi

Multiple Ayahs

Tags

Download Links

Tafsir Al-Razi tafsir for Surah Al-Ma'arij — Ayah 4

تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ ٤

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ إلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ﴾ وهَهُنا مَسائِلُ:

المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّ عادَةَ اللَّهِ تَعالى في القُرْآنِ أنَّهُ مَتى ذَكَرَ المَلائِكَةَ في مَعْرِضِ التَّهْوِيلِ والتَّخْوِيفِ أفْرَدَ الرُّوحَ بَعْدَهم بِالذِّكْرِ، كَما في هَذِهِ الآيَةِ، وكَما في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والمَلائِكَةُ صَفًّا﴾ [النَّبَأِ: ٣٨] وهَذا يَقْتَضِي أنَّ الرُّوحَ أعْظَمُ [مِنَ] المَلائِكَةِ قَدْرًا، ثُمَّ هَهُنا دَقِيقَةٌ وهي أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ عِنْدَ العُرُوجِ

صفحة ١٠٩

المَلائِكَةَ أوَّلًا والرُّوحَ ثانِيًا، كَما في هَذِهِ الآيَةِ، وذَكَرَ عِنْدَ القِيامِ الرُّوحَ أوَّلًا والمَلائِكَةَ ثانِيًا، كَما في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والمَلائِكَةُ صَفًّا﴾ وهَذا يَقْتَضِي كَوْنَ الرُّوحِ أوَّلًا في دَرَجَةِ النُّزُولِ وآخِرًا في دَرَجَةِ الصُّعُودِ، وعِنْدَ هَذا قالَ بَعْضُ المُكاشِفِينَ: إنَّ الرُّوحَ نُورٌ عَظِيمٌ هو أقْرَبُ الأنْوارِ إلى جَلالِ اللَّهِ، ومِنهُ تَتَشَعَّبُ أرْواحُ سائِرِ المَلائِكَةِ والبَشَرِ في آخِرِ دَرَجاتِ مَنازِلِ الأرْواحِ، وبَيْنَ الطَّرَفَيْنِ مَعارِجُ مَراتِبِ الأرْواحِ المَلَكِيَّةِ ومَدارِجُ مَنازِلِ الأنْوارِ القُدْسِيَّةِ، ولا يَعْلَمُ كَمِّيَّتَها إلّا اللَّهُ، وأمّا ظاهِرُ قَوْلِ المُتَكَلِّمِينَ وهو أنَّ الرُّوحَ هو جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَدْ قَرَّرْنا هَذِهِ المَسْألَةَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والمَلائِكَةُ صَفًّا﴾ .

المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ القائِلُونَ بِأنَّ اللَّهَ في مَكانٍ، إمّا في العَرْشِ أوْ فَوْقَهُ، بِهَذِهِ الآيَةِ مِن وجْهَيْنِ:

الأوَّلُ: أنَّ الآيَةَ دَلَّتْ عَلى أنَّ اللَّهَ تَعالى مَوْصُوفٌ بِأنَّهُ ذُو المَعارِجِ وهو إنَّما يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ كانَ في جِهَةِ فَوْقٍ.

والثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ إلَيْهِ﴾ فَبَيَّنَ أنَّ عُرُوجَ المَلائِكَةِ وصُعُودَهم إلَيْهِ، وذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ تَعالى في جِهَةِ فَوْقٍ (والجَوابُ) لَمّا دَلَّتِ الدَّلائِلُ عَلى امْتِناعِ كَوْنِهِ في المَكانِ والجِهَةِ ثَبَتَ أنَّهُ لا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ، فَأمّا وصْفُ اللَّهِ بِأنَّهُ ”ذُو المَعارِجِ“ فَقَدْ ذَكَرْنا الوُجُوهَ فِيهِ، وأمّا حَرْفُ إلى في قَوْلِهِ: ﴿تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ إلَيْهِ﴾ فَلَيْسَ المُرادُ مِنهُ المَكانَ، بَلِ المُرادُ انْتِهاءُ الأُمُورِ إلى مُرادِهِ كَقَوْلِهِ: ﴿وإلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ﴾ [هُودٍ: ١٢٣] المُرادُ الِانْتِهاءُ إلى مَوْضِعِ العِزِّ والكَرامَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿إنِّي ذاهِبٌ إلى رَبِّي﴾ [الصّافّاتِ: ٩٩] ويَكُونُ هَذا إشارَةً إلى أنَّ دارَ الثَّوابِ أعْلى الأمْكِنَةِ وأرْفَعُها.

المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الأكْثَرُونَ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فِي يَوْمٍ﴾ مِن صِلَةِ تَعْرُجُ، أيْ يَحْصُلُ العُرُوجُ في مِثْلِ هَذا اليَوْمِ، وقالَ مُقاتِلٌ: بَلْ هَذا مِن صِلَةِ قَوْلِهِ: ﴿بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ وعَلى هَذا القَوْلِ يَكُونُ في الآيَةِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، والتَّقْدِيرُ: سَألَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ. وعَلى التَّقْدِيرِ الأوَّلِ، فَذَلِكَ اليَوْمُ إمّا أنْ يَكُونَ في الآخِرَةِ أوْ في الدُّنْيا، وعَلى تَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ في الآخِرَةِ، فَذَلِكَ الطُّولُ إمّا أنْ يَكُونَ واقِعًا، وإمّا أنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا فَهَذِهِ هي الوُجُوهُ الَّتِي تَحْمِلُها هَذِهِ الآيَةُ، ونَحْنُ نَذْكُرُ تَفْصِيلَها.

القَوْلُ الأوَّلُ: هو أنَّ مَعْنى الآيَةِ أنَّ ذَلِكَ العُرُوجَ يَقَعُ في يَوْمٍ مِنَ أيّامِ الآخِرَةِ؛ طُولُهُ خَمْسُونَ ألْفَ سَنَةٍ، وهو يَوْمُ القِيامَةِ، وهَذا قَوْلُ الحَسَنِ قالَ: ولَيْسَ يَعْنِي أنَّ مِقْدارَ طُولِهِ هَذا فَقَطْ، إذْ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَحَصَلَتْ لَهُ غايَةٌ ولَفَنِيَتِ الجَنَّةُ والنّارُ عِنْدَ تِلْكَ الغايَةِ وهَذا غَيْرُ جائِزٍ، بَلِ المُرادُ أنَّ مَوْقِفَهم لِلْحِسابِ حَتّى يُفْصَلَ بَيْنَ النّاسِ، خَمْسُونَ ألْفَ سَنَةٍ مِن سِنِيِّ الدُّنْيا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَقِرُّ أهْلُ النّارِ في دَرَكاتِ النِّيرانِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنها. واعْلَمْ أنَّ هَذا الطُّولَ إنَّما يَكُونُ في حَقِّ الكافِرِ، أمّا في حَقِّ المُؤْمِنِ فَلا، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ الآيَةُ والخَبَرُ، أمّا الآيَةُ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أصْحابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وأحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفُرْقانِ: ٢٤] واتَّفَقُوا عَلى [أنَّ] ذَلِكَ [المَقِيلَ والمُسْتَقَرَّ] هو الجَنَّةُ، وأمّا الخَبَرُ فَما رُوِيَ «عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أنَّهُ قالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ما طُولُ هَذا اليَوْمِ ؟ فَقالَ: ”والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَنِ المُؤْمِنِ حَتّى يَكُونَ عَلَيْهِ أخَفَّ مِن صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيها في الدُّنْيا» “ ومِنَ النّاسِ مَن قالَ: إنَّ ذَلِكَ المَوْقِفَ وإنْ طالَ فَهو يَكُونُ سَبَبًا لِمَزِيدِ السُّرُورِ والرّاحَةِ لِأهْلِ الجَنَّةِ، ويَكُونُ سَبَبًا لِمَزِيدِ الحُزْنِ والغَمِّ لِأهْلِ النّارِ. (الجَوابُ) عَنْهُ أنَّ الآخِرَةَ دارُ جَزاءٍ، فَلا بُدَّ مِنَ أنْ يُعَجَّلَ لِلْمُثابِينَ ثَوابُهم، ودارُ الثَّوابِ هي الجَنَّةُ لا المَوْقِفُ، فَإذَنْ لا بُدَّ مِن تَخْصِيصِ طُولِ المَوْقِفِ بِالكُفّارِ.

القَوْلُ الثّانِي: هو أنَّ هَذِهِ المُدَّةَ واقِعَةٌ في الآخِرَةِ، لَكِنْ عَلى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ لا عَلى سَبِيلِ التَّحَقُّقِ، والمَعْنى أنَّهُ لَوِ اشْتَغَلَ بِذَلِكَ القَضاءِ

صفحة ١١٠

والحُكُومَةِ أعْقَلُ الخَلْقِ وأذْكاهم لَبَقِيَ فِيهِ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى يُتَمِّمُ ذَلِكَ القَضاءَ والحُكُومَةَ في مِقْدارِ نِصْفِ يَوْمٍ مِنَ أيّامِ الدُّنْيا، وأيْضًا المَلائِكَةُ يَعْرُجُونَ إلى مَواضِعَ لَوْ أرادَ واحِدٌ مِنَ أهْلِ الدُّنْيا أنْ يَصْعَدَ إلَيْها لَبَقِيَ في ذَلِكَ الصُّعُودِ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ إنَّهم يَصْعَدُونَ إلَيْها في ساعَةٍ قَلِيلَةٍ، وهَذا قَوْلُ وهْبٍ وجَماعَةٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ.

القَوْلُ الثّالِثُ وهو قَوْلُ أبِي مُسْلِمٍ: إنَّ هَذا اليَوْمَ هو يَوْمُ الدُّنْيا كُلِّها مِنَ أوَّلِ ما خَلَقَ اللَّهُ إلى آخِرِ الفَناءِ، فَبَيَّنَ تَعالى أنَّهُ لا بُدَّ في يَوْمِ الدُّنْيا مِن عُرُوجِ المَلائِكَةِ ونُزُولِهِمْ، وهَذا اليَوْمُ مُقَدَّرٌ بِخَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ لا يَلْزَمُ عَلى هَذا أنْ يَصِيرَ وقْتُ القِيامَةِ مَعْلُومًا؛ لِأنّا لا نَدْرِي كَمْ مَضى وكَمْ بَقِيَ.

القَوْلُ الرّابِعُ: تَقْدِيرُ الآيَةِ: سَألَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ مِنَ اللَّهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ اسْتِطالَةَ ذَلِكَ اليَوْمِ لِشِدَّتِهِ عَلى الكُفّارِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ تَقْدِيرَ مُدَّتِهِ، وعَلى هَذا فَلَيْسَ المُرادُ تَقْدِيرَ العَذابِ بِهَذا المِقْدارِ، بَلِ المُرادُ التَّنْبِيهُ عَلى طُولِ مُدَّةِ العَذابِ، ويُحْتَمَلُ أيْضًا أنَّ العَذابَ الَّذِي سَألَهُ ذَلِكَ السّائِلُ يَكُونُ مُقَدَّرًا بِهَذِهِ المُدَّةِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى يَنْقُلُهُ إلى نَوْعٍ آخَرَ مِنَ العَذابِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإنْ قِيلَ رَوى ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ أنَّ ابْنَ عَبّاسٍ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ، وعَنْ قَوْلِهِ: ﴿فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سَنَةٍ﴾ [السَّجْدَةِ: ٥] فَقالَ: أيّامٌ سَمّاها اللَّهُ تَعالى هو أعْلَمُ بِها كَيْفَ تَكُونُ، وأكْرَهُ أنْ أقُولَ فِيها ما لا أعْلَمُ، فَإنْ قِيلَ: فَما قَوْلُكم في التَّوْفِيقِ بَيْنَ هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ ؟ قُلْنا: قالَ وهْبٌ في الجَوابِ عَنْ هَذا: ما بَيْنَ أسْفَلِ العالَمِ إلى أعْلى شُرُفاتِ العَرْشِ مَسِيرَةُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، ومِنَ أعْلى السَّماءِ الدُّنْيا إلى الأرْضِ مَسِيرَةُ ألْفِ سَنَةٍ؛ لِأنَّ عَرْضَ كُلِّ سَماءٍ مَسِيرَةُ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، وما بَيْنَ أسْفَلِ السَّماءِ إلى قَرارِ الأرْضِ خَمْسُمِائَةٌ أُخْرى، فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي يَوْمٍ﴾ يُرِيدُ مِنَ أيّامِ الدُّنْيا وهو مِقْدارُ ألْفِ سَنَةٍ لَوْ صَعَدُوا فِيهِ إلى سَماءِ الدُّنْيا، ومِقْدارُ ألْفِ سَنَةٍ لَوْ صَعَدُوا إلى أعالِي العَرْشِ.

Tafsir Resource

QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats. Tafsir text may include <html> tags for formatting such as <b>, <i>, etc.

Example JSON Format:

{
  "2:3": {
    "text": "tafisr text.",
    "ayah_keys": ["2:3", "2:4"]
  },
  "2:4": "2:3"
}
  • Keys in the JSON are "ayah_key" in "surah:ayah", e.g. "2:3" means 3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
  • The value of ayah key can either be:
    • an object — this is the main tafsir group. It includes:
      • text: the tafsir content (can include HTML)
      • ayah_keys: an array of ayah keys this tafsir applies to
    • a string — this indicates the tafsir is part of a group. The string points to the ayah_key where the tafsir text can be found.

SQLite exports includes the following columns

  • ayah_key: the ayah for which this record applies.
  • group_ayah_key: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
  • from_ayah / to_ayah: start and end ayah keys for convenience (optional).
  • ayah_keys: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.
  • text: tafsir text. If blank, use the text from the group_ayah_key.