﴿وَما جَعَلْنا أصْحابَ النّارِ﴾ أيِ: المُدَبِّرِينَ لِأمْرِها القائِمِينَ بِتَعْذِيبِ أهْلِها.
﴿إلا مَلائِكَةً﴾ لِيُخالِفُوا جِنْسَ المُعَذَّبِينَ؛ فَلا يَرِقُّوا لَهم ولا يَسْتَرْوِحُوا إلَيِهِمْ؛ لِأنَّهم أقْوى الخَلْقِ وأقْوَمُهم بِحَقِّ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وبِالغَضَبِ لَهُ تَعالى، وأشَدُّهم بَأْسًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، لِأحَدِهِمْ مِثْلُ قُوَّةِ الثَّقَلَيْنِ، يَسُوقُ أحَدُهُمُ الأُمَّةَ وعَلى رَقَبَتِهِ جَبَلٌ فَيَرْمِي بِهِمْ في النّارِ، ويَرْمِي بِالجَبَلِ عَلَيْهِمْ. ورُوِيَ أنَّهُ لَمّا نَزَلَ ﴿عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ﴾، قالَ أبُو جَهْلٍ لِقُرَيْشٍ: "أيَعْجِزُ كُلُّ عَشْرَةٍ مِنكم أنْ يَبْطِشُوا بِرَجُلٍ مِنهم ؟ فَقالَ أبُو الأشَدِّ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ كِلْدَةَ الجُمَحِيُّ، وكانَ شَدِيدَ البَطْشِ: أنا أكْفِيكم سَبْعَةَ عَشَرَ، فاكْفُونِي أنْتُمُ اثْنَيْنِ، فَنَزَلَتْ " أيْ: ما جَعَلْناهم رِجالأ مِن جِنْسِكم ﴿وَما جَعَلْنا عِدَّتَهم إلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ: ما جَعَلْنا عَدَدَهم إلّا العَدَدَ الَّذِي تَسَبَّبَ لِافْتِتانِهِمْ وهو التِّسْعَةَ عَشَرَ، فَعَبَّرَ بِالأثَرِ عَنِ المُؤَثِّرِ تَنْبِيهًا عَلى التَّلازُمِ بَيْنَهُما، ولَيْسَ المُرادُ: مُجَرَّدَ جَعْلِ عَدَدِهِمْ ذَلِكَ العَدَدَ المُعَيَّنَ في نَفْسِ الأمْرِ، بَلْ جَعْلَهُ في القرآن أيْضًا كَذَلِكَ، وهو الحُكْمُ بِأنَّ عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ؛ إذْ بِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ افْتِتانُهم بِاسْتِقْلالِهِمْ لَهُ، واسْتِبْعادِهِمْ لِتَوَلِّي هَذا العَدَدِ القَلِيلِ لِتَعْذِيبِ أكْثَرَ الثَّقَلَيْنِ، واسْتِهْزائِهِمْ بِهِ حَسْبَما ذُكِرَ، وعَلَيْهِ يَدُورُ ما سَيَأْتِي مِنَ اسْتِيقانِ أهْلِ الكِتابِ وازْدِيادِ المُؤْمِنِينَ إيمانًا، قالُوا: المُخَصَّصُ لِهَذا العَدَدِ أنَّ اخْتِلافَ النُّفُوسِ البَشَرِيَّةِ في النَّظَرِ والعَمَلِ؛ بِسَبَبِ القُوى الحَيَوانِيَّةِ الأثْنَتَيْ عَشْرَةَ والطَّبِيعِيَّةِ السَّبْعِ، أوْ أنْ جَهَنَّمَ سَبْعُ دَرَكاتٍ، سِتٌّ مِنها لِأصْنافِ الكَفَرَةِ، كُلُّ صِنْفٍ يُعَذَّبُ بِتَرْكِ الأعْتِقادِ، والإقْرارِ والعَمَلِ أنْواعًا مِنَ العَذابِ يُناسِبُها، وعَلى كُلِّ نَوْعٍ مَلَكٌ، أوْ صِنْفٌ، أوْ صَفٌّ يَتَوَلّاهُ، وواحِدَةٌ لِعُصاةِ الأُمَّةِ يُعَذَّبُونَ فِيها بِتَرْكِ العَمَلِ نَوْعًا يُناسِبُهُ ويَتَوَلّاهُ واحِدٌ، أوْ أنَّ السّاعاتِ أرْبَعٌ وعِشْرُونَ، خَمْسَةٌ مِنها مَصْرُوفَةٌ لِلصَّلَواتِ الخَمْسِ فَيَبْقى تِسْعَةَ عَشَرَ، قَدْ تُصْرَفُ إلى ما يُؤاخَذُ بِهِ بِأنْواعِ العَذابِ يَتَوَلّاها الزَّبانِيَةُ.
﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِالجَعْلِ عَلى المَعْنى المَذْكُورِ، أيْ: لِيَكْتَسِبُوا اليَقِينَ بِنُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وصِدْقِ القرآن لَمّا شاهَدُوا ما فِيهِ مُوُافِقًا لِما في كِتابِهِمْ.
﴿وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمانًا﴾ أيْ: يَزْدادُ إيمانُهم كَيْفِيَّةً بِما رَأوْا مِن تَسْلِيمِ أهْلِ الكِتابِ (p-60)وَتَصْدِيقِهِمْ أنَّهُ كَذَلِكَ، أوْ كَمِّيَّةً بِانْضِمامِ إيمانِهِمْ بِذَلِكَ إلى إيمانِهِمْ بِسائِرِ ما أُنْزِلَ.
﴿وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ والمُؤْمِنُونَ﴾ تَأْكِيدٌ لِما قَبْلَهُ مِنَ الأسْتِيقانِ، وازْدِيادِ الإيمانِ، ونَفْيٌ لِما قَدْ يَعْتَرِي المُسْتَيْقِنَ مِن شُبْهَةٍ ما، وإنَّما لَمْ يُنَظَّمِ المُؤْمِنُونَ في سِلْكِ أهْلِ الكِتابِ في نَفْيِ الأرْتِيابِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: ولا يَرْتابُوا لِلتَّنْبِيهِ عَلى تَبايُنِ النَّفْيَّيْنِ حالأ، فَإنَّ انْتِفاءَ الأرْتِيابِ مِن أهْلِ الكِتابِ مُقارِنٌ لِما يُنافِيهِ مِنَ الجُحُودِ، ومِنَ المُؤْمِنِينَ، مُقارِنٌ لِما يَقْتَضِيهِ مِنَ الإيمانِ وكَمْ بَيْنَهُما، والتَّعْبِيرُ عَنْهم بِاسْمِ الفاعِلِ بَعْدَ ذِكْرِهِمْ بِالمَوْصُولِ والصِّلَةِ الفِعْلِيَّةِ المُنْبِئَةِ عَنِ الحُدُوثِ لِلْإيذانِ بِثَباتِهِمْ عَلى الإيمانِ بَعْدَ ازْدِيادِهِ ورُسُوخِهِمْ في ذَلِكَ.
﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ شَكٌّ أوْ نِفاقٌ فَيَكُونُ إخْبارًا بَما سَيَكُونُ في المَدِينَةِ بَعْدَ الهِجْرَةِ.
﴿والكافِرُونَ﴾ المُصِرُّونَ عَلى التَّكْذِيبِ.
﴿ماذا أرادَ اللَّهُ بِهَذا مَثَلا﴾ أيْ: أيُّ شَيْءٍ أرادَ بِهَذا العَدَدِ المُسْتَغْرَبِ اسْتِغْرابَ المَثَلِ، وقِيلَ: لَمّا اسْتَبْعَدُوهُ حَسِبُوا أنَّهُ مَثَلٌ مَضْرُوبٌ، وإفْرادُ قَوْلِهِمْ هَذا بِالتَّعْلِيلِ مَعَ كَوْنِهِ مِن بابِ فِتْنَتِهِمْ لِلْإشْعارِ بِاسْتِقْلالِهِ في الشَّناعَةِ.
﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشاءُ﴾ ذَلِكَ: إشارَةٌ إلى ما قَبْلَهُ مِن مَعْنى الإضْلالِ والهِدايَةِ، ومَحَلُّ الكافِ في الأصْلِ النَّصْبُ عَلى أنَّها صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وأصْلُ التَّقْدِيرِ: يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشاءُ.
﴿وَيَهْدِي مَن يَشاءُ﴾ إضْلالأ وهِدايَةً كائِنَيْنِ مِثْلَ ما ذُكِرَ مِنَ الإضْلالِ والهِدايَةِ فَحُذِفَ المَصْدَرُ، وأُقِيمَ وصْفُهُ مَقامَهُ، ثُمَّ قُدِّمَ عَلى الفِعْلِ لِإفادَةِ القَصْرِ، فَصارَ النَّظْمُ: مِثْلُ ذَلِكَ الإضْلالِ، وتِلْكَ الهِدايَةِ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشاءُ إضْلالَهُ لِصَرْفِ اخْتِيارِهِ إلى جانِبِ الضَّلالِ عِنْدَ مُشاهَدَتِهِ لِآياتٍ إلى جانِبِ الهُدى لا إضْلالأ وهِدايَةً أدْنى مِنهُما.
﴿وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ﴾ أيْ: جُمُوعَ خَلْقِهِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها المَلائِكَةُ المَذْكُورُونَ.
﴿إلا هُوَ﴾ إذْ لا سَبِيلَ لِأحَدٍ إلى حَصْرِ المُمَكَّناتِ، والوُقُوفِ عَلى حَقائِقِها وصِفاتِها، ولَوْ إجْمالأ فَضْلًا عَنِ الأطِّلاعِ عَلى تَفاصِيلِ أحْوالِها مِن كَمٍّ وكَيْفٍ ونِسْبَةٍ.
﴿وَما هِيَ﴾ أيْ: سَقَرُ، أوْ عِدَّةُ خَزَنَتِها، أوِ الآياتُ النّاطِقَةُ بِأحْوالِها.
﴿إلا ذِكْرى لِلْبَشَرِ﴾ إلّا تَذْكِرَةً لَهم.
QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats.
Tafsir text may include <html> tags for formatting such as <b>,
<i>, etc.
Note:
Tafsir content may span multiple ayahs. QUL exports both the tafsir text and the ayahs it applies to.
Example JSON Format:
{
"2:3": {
"text": "tafisr text.",
"ayah_keys": ["2:3", "2:4"]
},
"2:4": "2:3"
}
"ayah_key" in "surah:ayah", e.g. "2:3" means
3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
text: the tafsir content (can include HTML)ayah_keys: an array of ayah keys this tafsir applies toayah_key where the tafsir text can be found.
ayah_key: the ayah for which this record applies.group_ayah_key: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
from_ayah / to_ayah: start and end ayah keys for convenience (optional).ayah_keys: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.text: tafsir text. If blank, use the text from the group_ayah_key.