Tafsir Al-Alusi

Multiple Ayahs

Tags

Download Links

Tafsir Al-Alusi tafsir for Surah Al-Jinn — Ayah 1

قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوٓاْ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا ١

سُورَةُ الجِنِّ

وتُسَمّى قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ وهي مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفاقِ وآيُها بِلا خِلافٍ ثَمانٌ وعِشْرُونَ آيَةً ووَجْهُ اتِّصالِها قالَ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ فَكَّرْتُ فِيهِ مُدَّةً فَلَمْ يَظْهَرْ لِي سِوى أنَّهُ سُبْحانَهُ قالَ في سُورَةِ [نُوحٍ: 10، 11] ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكم إنَّهُ كانَ غَفّارًا﴾ ﴿يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكم مِدْرارًا﴾ وقالَ عَزَّ وجَلَّ في هَذِهِ السُّورَةِ لِكُفّارِ مَكَّةَ ﴿وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْناهم ماءً غَدَقًا﴾ [الجِنِّ: 16] وهَذا وجْهٌ بَيِّنٌ في الِارْتِباطِ انْتَهى وفي قَوْلِهِ لِكُفّارِ مَكَّةَ شَيْءٌ سَتَعْلَمُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى ويَجُوزُ أنْ يُضَمَّ إلى ذَلِكَ اشْتِمالُ هَذِهِ السُّورَةِ عَلى شَيْءٍ مِمّا يَتَعَلَّقُ بِالسَّماءِ كالسُّورَةِ السّابِقَةِ وذِكْرُ العَذابِ لِمَن يَعْصِي اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَإنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أبَدًا﴾ [الجِنِّ: 23] فَإنَّهُ يُناسِبُ قَوْلَهُ تَعالى ﴿أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نارًا﴾ [نُوحٍ: 25] عَلى وجْهٍ.

وقالَ أبُو حَيّانٍ في ذَلِكَ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى تَمادِي قَوْمِ نُوحٍ في الكُفْرِ والعُكُوفِ عَلى عِبادَةِ الأصْنامِ وكانَ أوَّلَ رَسُولٍ إلى أهْلِ الأرْضِ كَما أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ آخِرُ رَسُولٍ إلى أهْلِ الأرْضِ والعَرَبُ الَّذِينَ هو مِنهم ﷺ كانُوا عُبّادَ أصْنامٍ كَقَوْمِ نُوحٍ حَتّى أنَّهم عَبَدُوا أصْنامًا مِثْلَ أصْنامِ أُولَئِكَ في الأسْماءِ أيْ أوْ عَيْنِها وكانَ ما جاءَ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ هادِيًا إلى الرُّشْدِ وقَدْ سَمِعَتْهُ العَرَبُ وتَوَقَّفَ عَنِ الإيمانِ بِهِ أكْثَرُهم أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى سُورَةَ الجِنِّ وجَعَلَها إثْرَ سُورَةِ نُوحٍ تَبْكِيتًا لِقُرَيْشٍ والعَرَبِ في كَوْنِهِمْ تَباطَؤُوا عَنِ الإيمانِ وكانَتِ الجِنُّ خَيْرًا مِنهم إذْ أقْبَلَ لِلْإيمانِ مَن أقْبَلَ مِنهم وهم مِن غَيْرِ جِنْسِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَتّى كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ومَعَ ذَلِكَ التَباطِي فَهم مُكَذِّبُونَ لَهُ ولِما جاءَ بِهِ حَسَدًا وبَغْيًا أنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ فَقالَ عَزَّ مِن قائِلٍ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ﴾ وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ والعَتَكِيُّ عَنْ أبِي عَمْرٍو وجُؤْبَةَ بْنِ عائِذٍ الأسَدِيِّ «( وُحِّيَ)» بِلا هَمْزَةٍ وهو بِمَعْنى أُوحِيَ بِالهَمْزِ ومِنهُ قَوْلُ العَجّاجِ:

وُحِّيَ لَها القَرارُ

صفحة 82

فاسْتَقَرَّتْوقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وجُؤْبَةُ فِيما رَوى عَنْهُ الكِسائِيُّ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ في رِوايَةٍ «أُحِّيَ» بِإبْدال واوِ وُحِيَ هَمْزَةٍ كَما قالُوا في وُعِدَ أُعِدَ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وهو مِنَ القَلْبِ المُطْلَقِ جَوازُهُ في كُلِّ واوٍ مَضْمُومَةٍ وقَدْ أطْلَقَهُ المازِنِيُّ في المَكْسُورَةِ أيْضًا كَإشاحٍ وإعاءٍ وإسادَةٍ وهَذا أحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْمازِنِيِّ والقَوْلُ الآخَرُ قَصَرَ ذَلِكَ عَلى السَّماعِ وما ذَكَرَهُ مِن إطْلاقِ الجَوازِ في المَضْمُومَةِ تُعُقِّبَ بِأنَّ المَضْمُومَةَ قَدْ تَكُونُ أوَّلًا وحَشْوًا وآخِرًا ولِكُلٍّ مِنها أحْكامٌ وفي بَعْضِها خِلافٌ وتَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ في كُتُبِ النَّحْوِ فَلْيُراجَعْ وزادَ بَعْضُ الأجِلَةِ قَلْبَ الواوِ والمَضْمُومِ ما قَبْلَها فَقالَ إنَّهُ أيْضًا مَقِيسٌ مُطَّرِدٌ وإنَّهُ قَدْ يَرِدُ ذَلِكَ في المَفْتُوحَةِ كَأحَدٍ وعَلى جَمِيعِ القِراءاتِ الجارُّ مُتَعَلِّقٌ بِما عِنْدَهُ ونائِبُ الفاعِلِ ﴿أنَّهُ﴾ إلَخِ عَلى أنَّهُ في تَأْوِيلِ المَصْدَرِ والضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ ﴿اسْتَمَعَ﴾ أيِ القُرْآنَ كَما ذُكِرَ في الأحْقافِ وقَدْ حُذِفَ لِدَلالَةِ ما بَعْدَهُ عَلَيْهِ ﴿نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ﴾ النَّفَرُ في المَشْهُورِ ما بَيْنَ الثَّلاثَةِ والعَشَرَةِ.

وقالَ الحَرِيرِيُّ في دُرَّتِهِ: إنَّ النَّفَرَ إنَّما يَقَعُ عَلى الثَّلاثَةِ مِنَ الرِّجالِ إلى العَشْرَةِ وقَدْ وهِمْ في ذَلِكَ فَقَدْ يُطْلَقُ عَلى ما فَوْقَ العَشْرَةِ في الفَصِيحِ وقَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُ واحِدٍ مِن أهْلِ اللُّغَةِ وفي كَلامِ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي بِضْعَةُ عَشَرَ نَفَرًا ولا يَخْتَصُّ بِالرِّجالِ بَلْ ولا بِالنّاسِ لِإطْلاقِهِ عَلى الجِنِّ هُنا وفي المُجْمَلِ الرَّهْطُ والنَّفَرُ يُسْتَعْمَلُ إلى الأرْبَعِينَ والفَرْقُ بَيْنَهُما أنَّ الرَّهْطَ يَرْجِعُونَ إلى أبٍ واحِدٍ بِخِلافِ النَّفَرِ وقَدْ يُطْلَقُ عَلى القَوْمِ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وأعَزُّ نَفَرًا﴾ [الكَهْفِ: 34] وقَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:

فَهُوَ لا تَنْمِي رَمِيَّتُهُ ∗∗∗ ما لَهُ لا عُدَّ مِن نَفَرِهْ

وقالَ الإمامُ الكِرْمانِيُّ لِلنَّفَرِ مَعْنى آخَرُ في العُرْفِ وهو الرَّجُلُ وأرادَ بِالعُرْفِ عُرْفَ اللُّغَةِ لِأنَّهُ فُسِّرَ بِهِ الحَدِيثُ الصَّحِيحُ فَلْيُحْفَظْ ( والجِنِّ ) واحِدُهُ جِنِّيٌّ كَرُومٍ ورُومِيٍّ وهم أجْسامٌ عاقِلَةٌ تَغْلِبُ عَلَيْها النّارِيَّةُ كَما يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وخَلَقَ الجانَّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ﴾ [الرَّحْمَنِ: 15] وقِيلَ الهَوائِيَّةُ قابِلَةٌ جَمِيعُها أوْ صِنْفٌ مِنها لِلتَّشَكُّلِ بِالأشْكالِ المُخْتَلِفَةِ مِن شَأْنِها الخَفاءُ، وقَدْ تُرى بِصُوَرٍ غَيْرِ صُوَرِها الأصْلِيَّةِ بَلْ وبِصُوَرِها الأصْلِيَّةِ الَّتِي خُلِقَتْ عَلَيْها كالمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وهَذا لِلْأنْبِياءِ صَلَواتُ اللَّهِ تَعالى وسَلامُهُ عَلَيْهِمْ ومَن شاءَ اللَّهُ تَعالى

مِن خَواصِّ عِبادِهِ عَزَّ وجَلَّ، ولَها قُوَّةٌ عَلى الأعْمالِ الشّاقَّةِ ولا مانِعَ عَقْلًا مِن أنْ تَكُونَ بَعْضُ الأجْسامِ اللَّطِيفَةِ النّارِيَّةِ مُخالَفَةً لِسائِرِ أنْواعِ الجِسْمِ اللَّطِيفِ في الماهِيَّةِ ولَها قَبُولٌ لِإفاضَةِ الحَياةِ والقُدْرَةِ عَلى أفْعالِ عَجِيبَةٍ مَثَلًا.

وقَدْ قالَ أهْلُ الحِكْمَةِ الجَدِيدَةِ بِأجْسامٍ لَطِيفَةٍ أثْبَتُوا لَها مِنَ الخَواصِّ ما يُبْهِرُ العُقُولَ فَلْتَكُنْ أجْسامُ الجِنِّ عَلى ذَلِكَ النَّحْوِ مِنَ الأجْسامِ وعالَمُ الطَّبِيعَةِ أوْسَعُ مِن أنْ تُحِيطَ بِحَصْرِ ما أُودِعَ فِيهِ الأفْهامُ وأكْثَرُ الفَلاسِفَةِ عَلى إنْكارِ الجِنِّ.

وفِي رِسالَةِ الحُدُودِ لِابْنِ سِينا الجِنِّيُّ حَيَوانٌ هَوائِيٌّ مُتَشَكِّلٌ بِأشْكالٍ مُخْتَلِفَةٍ وهَذا شَرَحَ الِاسْمَ وظاهِرُهُ نَفْيٌ أنْ يَكُونَ لِهَذِهِ الحَقِيقَةِ وُجُودٌ في الخارِجِ ونَفْيُ ذَلِكَ كُفْرٌ صَرِيحٌ كَما لا يَخْفى، واعْتَرَفَ جَمْعٌ عَظِيمٌ مِن قُدَماءِ الفَلاسِفَةِ وأصْحابِ الرُّوحانِيّاتِ بِوُجُودِهِمْ ويُسَمُّونَهم بِالأرْواحِ السُّفْلِيَّةِ والمَشْهُورُ أنَّهم زَعَمُوا أنَّها جَواهِرُ قائِمَةٌ بِأنْفُسِها لَيْسَتْ أجْسامًا ولا جُسْمانِيَّةً وهي أنْواعٌ مُخْتَلِفَةٌ بِالماهِيَّةِ كاخْتِلافِ ماهِيّاتِ الأعْراضِ فَبَعْضُها خَيِّرَةٌ وبَعْضُها شِرِّيرَةٌ ولا يَعْرِفُ عَدَدَ أنْواعِها وأصْنافِها إلّا اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ ولا يَبْعُدُ عَلى هَذا أنْ يَكُونَ في أنْواعِها ما يَقْدِرُ عَلى أفْعالٍ شاقَّةٍ عَظِيمَةٍ يَعْجِزُ عَنْها البَشَرُ بَلْ لا يَبْعُدُ أيْضًا عَلى ما قِيلَ أنْ يَكُونَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنها تَعَلُّقٌ بِنَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِن أجْسامِ هَذا العالَمِ ومِنَ النّاسِ مَن زَعَمَ أنَّ الأرْواحَ البَشَرِيَّةَ والنُّفُوسَ النّاطِقَةَ إذا فارَقَتْ أبْدانَها ازْدادَتْ قُوَّةً وكَمالًا بِسَبَبِ ما في ذَلِكَ العالَمِ الرُّوحانِيِّ مِنِ انْكِشافِ الأسْرارِ الرُّوحانِيَّةِ فَإذا اتَّفَقَ حُدُوثُ بَدَنٍ آخَرَ مُشابِهٍ لِما كانَ لِتِلْكَ النَّفْسِ المُفارِقَةِ مِنَ البَدَنِ تَعَلَّقَتْ تِلْكَ النَّفْسُ بِهِ تَعَلُّقًا ما وتَصِيرُ كالمُعاوِنَةِ لِنَفْسِ ذَلِكَ البَدَنِ في أفْعالِها وتَدْبِيرِها لِذَلِكَ البَدَنِ فَإنِ اتَّفَقَتْ هَذِهِ الحالَةُ في النُّفُوسِ الخَيِّرَةِ

صفحة 83

سُمِّيَ ذَلِكَ المُعِينُ مَلَكًا وتِلْكَ الإعانَةُ إلْهامًا وإنِ اتَّفَقَتْ في النُّفُوسِ الشِّرِّيرَةِ سُمِّيَ ذَلِكَ المُعِينُ شَيْطانًا وتِلْكَ الإعانَةُ وسُوسَةً والكُلُّ مُخالِفٌ لِأقْوالِ السَّلَفِ.

وظاهِرُ الآياتِ والأحادِيثِ وجُمْهُورُ أرْبابِ المِلَلِ مُعْتَرِفُونَ بِوُجُودِهِمْ كالمُسْلِمِينَ وإنِ اخْتَلَفُوا في حَقِيقَتِهِمْ وتَمامُ الكَلامِ في هَذا المَقامِ يُطْلَبُ مِن آكامِ المَرْجانِ. وفي التَّفْسِيرِ الكَبِيرِ طَرَفٌ مِمّا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فارْجِعْ إلَيْهِ إنْ أرَدْتَهُ.

واخْتَلَفَ في عَدَدِ المُسْتَمِعِينَ فَقِيلَ سَبْعَةٌ فَعَنْ زِرٍّ ثَلاثَةٌ مِن أهْلِ حَرّانَ وأرْبَعَةٌ مِن أهْلِ نَصِيبَيْنَ قَرْيَةٍ بِاليَمَنِ غَيْرِ القَرْيَةِ الَّتِي بِالعِراقِ، وعَنْ عِكْرِمَةَ أنَّهم كانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا مِن جَزِيرَةِ المُوصِلِ وأيْنَ سَبْعَةٌ أوْ تِسْعَةٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا ولَعَلَّ النَّفَرَ عَلَيْهِ القَوْمُ وفي الكَشّافِ كانُوا مِنَ الشَّيْصَبانِ وهم أكْثَرُ الجِنِّ عَدَدًا وعامَّةُ جُنُودِ إبْلِيسَ مِنهُمْ، والآيَةُ ظاهِرَةٌ في أنَّهُ ﷺ عَلِمَ اسْتِماعَهم لَهُ بِالوَحْيِ لا بِالمُشاهَدَةِ وقَدْ وقَعَ في الأحادِيثِ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ رَآهم وجَمْعُ ذَلِكَ بِتَعَدُّدِ القِصَّةِ.

قالَ في آكامِ المَرْجانِ ما مُحَصِّلُهُ في الصَّحِيحَيْنِ في حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ «ما قَرَأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلى الجِنِّ ولا رَآهم وإنَّما انْطَلَقَ بِطائِفَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ لِسُوقِ عُكاظٍ قَدْ حِيلَ بَيْنَ الجِنِّ والسَّماءِ بِالشُّهُبِ فَقالُوا: ما ذاكَ إلّا لِشَيْءٍ حَدَثَ فاضْرِبُوا مَشارِقَ الأرْضِ ومَغارِبَها فَمَرَّ مَن ذَهَبَ لِتِهامَةَ مِنهم بِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وهو يُصَلِّي الفَجْرَ بِأصْحابِهِ بِنَخْلَةٍ فَلَمّا اسْتَمَعُوا لَهُ قالُوا: هَذا الَّذِي حالَ بَيْنَنا وبَيْنَ السَّماءِ ورَجَعُوا إلى قَوْمِهِمْ وقالُوا: يا قَوْمَنا إلَخِ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ ﴿قُلْ أُوحِيَ﴾» إلَخِ ثُمَّ قالَ ونَفى ابْنُ عَبّاسٍ إنَّما هو في هَذِهِ القِصَّةِ واسْتِماعُهم تِلاوَتَهُ ﷺ في الفَجْرِ في هَذِهِ القِصَّةِ لا مُطْلَقًا ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ﴾ [الأحْقافِ: 29] إلَخِ فَإنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كَلَّمَهم ودَعاهم وجَعَلَهم رُسُلًا لِمَن عَداهم كَما قالَهُ البَيْهَقِيُّ ورَوى أبُو داوُدَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «أتانِي داعِي الجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ وقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ قالَ وانْطَلَقَ بِنا وأرانا آثارَهم وآثارَ نِيرانِهِمْ»» إلَخِ وقَدْ دَلَّتِ الأحادِيثُ عَلى أنَّ وِفادَةَ الجِنِّ كانَتْ سِتَّ مَرّاتٍ.

وقالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إنَّ ابْنَ عَبّاسٍ عَلِمَ ما دَلَّ عَلَيْهِ القُرْآنُ ولَمْ يَعْلَمْ ما عَلِمَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وأبُو هُرَيْرَةَ مِن إتْيانِ الجِنِّ لَهُ ﷺ ومُكالَمَتِهِمْ إيّاهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وقِصَّةُ الجِنِّ كانَتْ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ. وقالَ الواقِدِيُّ كانَتْ سَنَةَ إحْدى عَشْرَةَ مِنَ النُّبُوَّةِ وابْنُ عَبّاسٍ ناهَزَ الحُلْمَ في حِجَّةِ الوَداعِ فَقَدْ عَلِمْتَ أنَّ قِصَّةَ الجِنِّ وقَعَتْ سِتَّ مَرّاتٍ.

وفِي شَرْحِ البَيْهَقِيِّ مِن طُرُقٍ شَتّى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلّى العِشاءَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَأخَذَ بِيَدِي حَتّى أتَيْنا مَكانَ كَذا فَأجْلَسَنِي وخَطَّ عَلَيَّ خَطًّا ثُمَّ قالَ: «لا تَبْرَحْنَ خَطَّكَ» فَبَيْنَما أنا جالِسٌ إذْ أتانِي رِجالٌ مِنهم كَأنَّهُمُ الزُّطُّ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا وأنَّهُ ﷺ ما جاءَ إلى السِّحْرِ قالَ وجَعَلْتُ أسْمَعُ الأصْواتَ ثُمَّ جاءَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقُلْتُ: أيْنَ كُنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقالَ: «أرْسَلَتْ إلَيَّ الجِنُّ» فَقُلْتُ: ما هَذِهِ الأصْواتُ الَّتِي سُمِعَتْ؟ قالَ: «هِيَ أصْواتُهم حِينَ ودَّعُونِي وسَلَّمُوا عَلَيَّ»» .

وقَدْ يُجْمَعُ الِاخْتِلافُ في القِلَّةِ والكَثْرَةِ بِأنَّ ذَلِكَ لِتَعَدُّدِ القِصَّةِ أيْضًا واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. واخْتُلِفَ فِيما اسْتَمَعُوهُ فَقالَ عِكْرِمَةُ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العَلَقِ: 1] وقِيلَ سُورَةُ الرَّحْمَنِ ﴿فَقالُوا﴾ أيْ لِقَوْمِهِمْ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ إلَيْهِمْ ﴿إنّا سَمِعْنا قُرْآنًا﴾ أيْ كِتابًا مَقْرُوءًا عَلى ما فَسَّرَهُ بِهِ بَعْضُ الأجِلَّةِ وفُسِّرَ بِذَلِكَ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ ما ذَكَرُوهُ في وصْفِهِ مِمّا يَأْتِي وصْفٌ لَهُ كُلِّهِ دُونَ المَقْرُوءِ مِنهُ فَقَطْ، والمُرادُ أنَّهُ مِنَ الكُتُبِ السَّماوِيَّةِ والتَّنْوِينُ لِلتَّفْخِيمِ أيْ قُرْآنًا جَلِيلَ الشَّأْنِ ﴿عَجَبًا﴾ بَدِيعًا مُبايِنًا لِكَلامِ النّاسِ في حُسْنِ النَّظْمِ ودِقَّةِ المَعْنى وهو مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ لِلْمُبالَغَةِ.

Tafsir Resource

QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats. Tafsir text may include <html> tags for formatting such as <b>, <i>, etc.

Example JSON Format:

{
  "2:3": {
    "text": "tafisr text.",
    "ayah_keys": ["2:3", "2:4"]
  },
  "2:4": "2:3"
}
  • Keys in the JSON are "ayah_key" in "surah:ayah", e.g. "2:3" means 3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
  • The value of ayah key can either be:
    • an object — this is the main tafsir group. It includes:
      • text: the tafsir content (can include HTML)
      • ayah_keys: an array of ayah keys this tafsir applies to
    • a string — this indicates the tafsir is part of a group. The string points to the ayah_key where the tafsir text can be found.

SQLite exports includes the following columns

  • ayah_key: the ayah for which this record applies.
  • group_ayah_key: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
  • from_ayah / to_ayah: start and end ayah keys for convenience (optional).
  • ayah_keys: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.
  • text: tafsir text. If blank, use the text from the group_ayah_key.