Al-Muharrar Al-Wajiz Ibn Atiyyah

Multiple Ayahs

Tags

Download Links

Al-Muharrar Al-Wajiz Ibn Atiyyah tafsir for Surah Al-Insan — Ayah 15

وَدَانِيَةً عَلَيۡهِمۡ ظِلَٰلُهَا وَذُلِّلَتۡ قُطُوفُهَا تَذۡلِيلٗا ١٤ وَيُطَافُ عَلَيۡهِم بِـَٔانِيَةٖ مِّن فِضَّةٖ وَأَكۡوَابٖ كَانَتۡ قَوَارِيرَا۠ ١٥ قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٖ قَدَّرُوهَا تَقۡدِيرٗا ١٦ وَيُسۡقَوۡنَ فِيهَا كَأۡسٗا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا ١٧ عَيۡنٗا فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلۡسَبِيلٗا ١٨ ۞ وَيَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ وِلۡدَٰنٞ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيۡتَهُمۡ حَسِبۡتَهُمۡ لُؤۡلُؤٗا مَّنثُورٗا ١٩ وَإِذَا رَأَيۡتَ ثَمَّ رَأَيۡتَ نَعِيمٗا وَمُلۡكٗا كَبِيرًا ٢٠

(p-٤٩٣)قوله عزّ وجلّ:

﴿وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلا﴾ ﴿وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِن فِضَّةٍ وأكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرا﴾ ﴿قَوارِيرا مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيرًا﴾ ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْسًا كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلا﴾ ﴿عَيْنًا فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلا﴾ ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إذا رَأيْتَهم حَسِبْتَهم لُؤْلُؤًا مَنثُورًا﴾ ﴿وَإذا رَأيْتَ ثَمَّ رَأيْتَ نَعِيمًا ومُلْكًا كَبِيرًا﴾

اخْتَلَفَ النَحْوِيُّونَ في إعْرابِ قَوْلِهِ تَعالى: "وَدانِيَةً"، فَقالَ الزَجّاجُ وغَيْرُهُ: هو حالٌ عَطْفًا عَلى "مُتَّكِئِينَ"، وقالَ أيْضًا: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْجَنَّةِ، فالمَعْنى: وجَزاهم جَنَّةً دانِيَةً، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ "دانِيَةً"، وقَرَأ الأعْمَشُ "وَدانِيًا عَلَيْهِمْ"، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ: "وَدانِيَةٌ" بِالرَفْعِ، وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: "وَدانٍ"، فَهو مُفْرَدٌ مَرْفُوعٌ في الإعْرابِ، ودُنُوُّ الظِلالِ بِتَوَسُّطٍ أنْعَمَ لَها لِأنَّ الشَيْءَ المُظِلَّ إذا بَعُدَ فَتْرَ ظِلُّهُ لا سِيَّما مِنَ الشَجَرِ. و"التَذْلِيلُ" أنَّ تَطِيبَ الثَمَرَةُ فَتَتَدَلّى وتَنْعَكِسُ نَحْوَ الأرْضِ، والتَذْلِيلُ في الجَنَّةِ هو بِحَسَبِ إرادَةِ ساكِنِيها، قالَ قَتادَةُ، وسُفْيانُ ومُجاهِدٌ: إنْ كانَ الإنْسانُ قائِمًا تَناوَلَ الثَمَرَ دُونَ كُلْفَةٍ، وإنْ كانَ قاعِدًا فَكَذَلِكَ. وإنْ كانَ مُضْطَجِعًا فَكَذَلِكَ، فَهَذا تَذْلِيلُها، لا يَرُدُّ اليَدَ عنها بُعْدٌ ولا شَوْكٌ، ومِنَ اللَفْظَةِ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:

؎ ........... كَأُنْبُوبِ السَقْيِ المُذَلَّلِ

ومِنهُ قَوْلُ الأنْصارِيِّ: "والنَخْلُ قَدْ ذُلِّلَتْ فَهي مُطَوَّقَةٌ بِثَمَرِها"، و"القُطُوفُ" جَمْعُ قَطْفٍ وهو العُنْقُودُ مِنَ النَخْلِ والعِنَبِ ونَحْوِهِما.

و"الآنِيَةُ" جَمْعُ إناءٍ، و"الكُوبُ" ما لا عُرْوَةَ لَهُ ولا أُذُنَ مِنَ الأوانِي، وهي مَعْرُوفَةُ (p-٤٩٤)الشَكْلِ في تِلْكَ البِلادِ، وهو الَّذِي تَقُولُ لَهُ العامَّةُ "القَبُّ"، لَكِنَّها تُسَمِّي ذَلِكَ ما لَهُ عُرْوَةٌ، وذَلِكَ خَطَّأٌ أيْضًا، وقالَ قَتادَةُ: الكُوبُ القَدَحُ، و"القَوارِيرُ" الزُجاجُ. واخْتَلَفَ القُرّاءُ، فَقَرَأ نافِعٌ، والكِسائِيُّ وأبُو بَكْرٍ عن عاصِمٍ: "قَوارِيرا، قَوارِيرا" بِالإجْراءِ فِيهِما عَلى ما قَدْ تَقَدَّمَ في "سَلاسِلًا"، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ: "قَوارِيرًا، قَوارِيرًا" بِتَرْكِ الإجْراءِ فِيهِما، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ بِالإجْراءِ في الأوَّلِ وتَرْكِهِ في الثانِي، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو إذا وقَفَ في الأوَّلِ بِألِفٍ دُونَ تَنْوِينٍ، وبِتَرْكِ الإجْراءِ في الثانِي. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن فِضَّةٍ﴾ يَقْتَضِي أنَّها مِن زُجاجٍ ومِن فِضَّةٍ، وذَلِكَ مُتَمَكِّنٌ لِكَوْنِهِ مِن زُجاجٍ في شُفُوفِهِ ومِن فِضَّةٍ في جَوْهَرِهِ، وكَذَلِكَ فِضَّةُ الجَنَّةِ شَفّافَةٌ، وقالَ أبُو عَلِيٍّ: جَعَلَها مِن فِضَّةٍ لِصَفائِها ومُلازَمَتِها لِتِلْكَ الصِفَةِ، ولَيْسَتْ مِن فِضَّةٍ في حَقِيقِ أمْرِها، وإنَّما هَذا كَقَوْلِ الشاعِرِ:

؎ ألا أصْبَحَتْ أسْماءُ جاذِمَةَ الوَصْلِ ∗∗∗ وضَنَّتْ عَلَيْنا والضَنِينُ مِنَ البُخْلِ

وقَوْلُهُ تَعالى: "قَدَّرُوها" يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الضَمِيرُ لِلْمَلائِكَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِلطّائِفِينَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِلْمُنْعِمِينَ، والتَقْدِيرُ إمّا أنْ يَكُونَ عَلى قَدْرِ الأكُفِّ، قالَهُ الرَبِيعُ، أو عَلى قَدْرِ الرَيِّ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وهَذا كُلُّهُ عَلى قِراءَةِ مَن قَرَأ: "قَدَّرُوها" بِفَتْحِ القافِ، وقَرَأ ابْنُ أبْزى، وعَلَيٌّ والجَحْدَرِيُّ، وابْنُ عَبّاسٍ، والشَعْبِيُّ، وقَتادَةُ: "قُدِّرُوها" بِضَمِّ القافِ وكَسْرِ الدالِ، قالَ أبُو عَلِيٍّ: كَأنَّ اللَفْظَ "قًدِّرُوا عَلَيْها"، وفي المَعْنى قَلْبٌ لِأنَّ حَقِيقَةَ المَعْنى أنْ يُقالَ: قُدِّرَتْ عَلَيْهِمْ، فَهي مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما إنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالعُصْبَةِ﴾ [القصص: ٧٦]، ومِثْلُ قَوْلِ العَرَبِ: "إذا طَلَعَتِ الجَوْزاءُ ألْقى العَوْدَ عَلى الحِرْباءِ"، حَكاهُ أبُو عَلِيٍّ.

(p-٤٩٥)وَكَوْنُ الزَنْجَبِيلِ مِزاجًا هو عَلى ما ذَكَرْناهُ في العُرْفِ ولَذْعِ اللِسانِ، وذَلِكَ مِن لَذّاتِ المَشْرُوبِ، والزَنْجَبِيلِ طَيِّبٌ حارٌّ، وقالَ الشاعِرُ:

؎ كَأنَّ جِنِّيًّا مِنَ الزَنْجَبِيـ ∗∗∗ ـلِ باتَ بِفِيها وأرْيًا حَشُورًا

وقالَ المُسَيِّبُ بْنُ عَلَسٍ:

؎ وكَأنَّ طَعْمَ الزَنْجَبِيلِ بِهِ ∗∗∗ إذْ ذُقْتَهُ وسُلافَةَ الخَمْرِ

وقالَ قَتادَةُ: الزَنْجَبِيلُ اسْمٌ لِعَيْنٍ يَشْرَبُ مِنها المُقَرَّبُونَ صَرْفًا، ويُمْزَجُ لِسائِرِ أهْلِ الجَنَّةِ، و"عَيْنًا" بَدَلٌ مِن "كَأْسًا"، أو مِن "زَنْجَبِيلًا" عَيْنٌ عَلى القَوْلِ الثانِي.

و"سَلْسَبِيلًا" قِيلَ: هو اسْمٌ بِمَعْنى السَلِسِ المُنْقادِ الجَرْيَةِ، وقالَ مُجاهِدٌ: حَدِيدُ الجَرْيَةِ، وقِيلَ: هي عِبارَةٌ عَنِ اتِّساعِها، وقالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: لَمْ أسْمَعْ هَذِهِ اللَفْظَةَ إلّا في القُرْآنِ، وقالَ آخَرُونَ: "سَلْسَبِيلًا" صِفَةٌ لِقَوْلُهُ تَعالى: "عَيْنًا"، و"تُسَمّى" بِمَعْنى: تُوصَفُ وتُشْهَرُ، وكَوْنُهُ مَصْرُوفًا مِمّا يُؤَكِّدُ كَوْنُهُ صِفَةً لا اسْمًا، وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: "سَلْسَبِيلًا" أمْرٌ للنَّبِيِّ صَلّى اللهُ الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولِأُمَّتِهِ بِسُؤالِ السَبِيلِ إلَيْها، وهَذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِأنَّ (p-٤٩٦)بَراعَةَ القُرْآنِ وفَصاحَتَهُ لا تَجِيءُ هَكَذا، واللَفْظَةُ مَعْرُوفَةٌ في اللِسانِ، وأنَّ "السَلَسَ والسَلْسَبِيلَ" بِمَعْنًى واحِدٍ ومُتَقارِبٍ.

و"مُخَلَّدُونَ" قالَ جُمْهُورُ الناسِ: مَعْناهُ: باقُونَ، مِنَ الخُلُودِ، وجَعَلَهم وِلْدانًا لِأنَّهم في هَيْئَةِ الوِلْدانِ في السِنِّ، لا يَتَغَيَّرُونَ عن تِلْكَ الحالِ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ وغَيْرُهُ: "مُخَلَّدُونَ" مَعْناهُ: مُقَرِّطُونَ، والخَلَداتُ حُلِيٌّ تُعَلَّقُ في الآذانِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:

؎ ومُخَلَّداتٌ بِاللُجَيْنِ كَأنَّما ∗∗∗ أعْجازُهُنَّ أقاوِزُ الكُثْبانِ

وشُهْرَةُ هَذِهِ اللُغَةِ في حَمِيرٍ.

وشَبَّهَهم تَعالى بِاللُؤْلُؤِ المَنثُورِ في بَياضِهِمْ وانْتِشارِهِمْ في المَساكِنِ يَجِيئُونَ ويَذْهَبُونَ، وفي جَمالِهِمْ، ومِنهُ سُمِّيَتِ المَرْأةُ دُرَّةً وجَوْهَرَةً، ثُمَّ كَرَّرَ تَعالى ذِكْرَ الرُؤْيَةِ مُبالَغَةً، و"ثَمَّ" ظَرْفٌ، والعامِلُ فِيهِ "رَأيْتَ" أو مَعْناهُ، وقالَ الفَرّاءُ: التَقْدِيرُ: إذا رَأيْتَ ما ثَمَّ رَأيْتَ، وحُذِفَتْ "ما". وقَرَأ حُمَيْدُ الأعْرَجُ: "ثُمَّ" بِضَمِّ الثاءِ، و"النَعِيمُ": ما هم فِيهِ مِن حُسْنِ عَيْشٍ. و"المَلِكُ الكَبِيرُ" قالَ سُفْيانُ: هو اسْتِئْذانُ المَلائِكَةِ وتَسْلِيمُهم عَلَيْهِمْ وتَعْظِيمُهم لَهم في ذَلِكَ كالمُلُوكِ، وقالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ: "المُلْكُ الكَبِيرُ" اتِّساعُ مَواضِعِهِمْ، رُوِيَ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أنَّهُ قالَ: ما مِن أهْلِ الجَنَّةِ مِن أحَدٍ إلّا يَسْعى عَلَيْهِ ألْفُ غُلامٍ، كُلُّهم مُخْتَلِفٌ شُغْلُهُ مَن شَغْلِ أصْحابِهِ، وأدْنى أهْلُ الجَنَّةِ مَنزِلَةً مَن يُنْظَرُ في مُلْكِهِ مَسِيرَةَ ألْفِ عامٍ، يَرى أقْصاهُ كَما يَرى أدْناهُ.

Tafsir Resource

QUL supports exporting tafsir content in both JSON and SQLite formats. Tafsir text may include <html> tags for formatting such as <b>, <i>, etc.

Example JSON Format:

{
  "2:3": {
    "text": "tafisr text.",
    "ayah_keys": ["2:3", "2:4"]
  },
  "2:4": "2:3"
}
  • Keys in the JSON are "ayah_key" in "surah:ayah", e.g. "2:3" means 3rd ayah of Surah Al-Baqarah.
  • The value of ayah key can either be:
    • an object — this is the main tafsir group. It includes:
      • text: the tafsir content (can include HTML)
      • ayah_keys: an array of ayah keys this tafsir applies to
    • a string — this indicates the tafsir is part of a group. The string points to the ayah_key where the tafsir text can be found.

SQLite exports includes the following columns

  • ayah_key: the ayah for which this record applies.
  • group_ayah_key: the ayah key that contains the main tafsir text (used for shared tafsir).
  • from_ayah / to_ayah: start and end ayah keys for convenience (optional).
  • ayah_keys: comma-separated list of all ayah keys that this tafsir covers.
  • text: tafsir text. If blank, use the text from the group_ayah_key.