﴿ثُمَّ اتَّبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٩] ﴿حَتّى إذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهم مِن دُونِها سِتْرًا﴾

تَقَدَّمَ خِلافُ القُرّاءِ في اتَّبَعَ سَبَبًا فَهو كَذَلِكَ هُنا.

ومَطْلِعُ الشَّمْسِ: جِهَةُ المَشْرِقِ مِن سُلْطانِهِ ومَمْلَكَتِهِ، بَلَغَ جِهَةً قاصِيَةً مِنَ الشَّرْقِ حَيْثُ يُخالُ أنْ لا عُمْرانَ وراءَها، فالمَطْلِعُ مَكانُ الطُّلُوعِ.

والظّاهِرُ أنَّهُ بَلَغَ ساحِلَ بَحْرِ اليابانِ في حُدُودِ مَنشُورْيا أوْ كُورْيا شَرْقًا، فَوَجَدَ قَوْمًا تَطَلُعُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ لا يُسْتَرُونَ مِن حَرِّها، أيْ لا جَبَلَ فِيها يَسْتَظِلُّونَ بِظِلِّهِ ولا شَجَرَ فِيها، فَهي أرْضٌ مَكْشُوفَةٌ لِلشَّمْسِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى أنَّهم كانُوا قَوْمًا عُراةً فَكانُوا يَتَّقُونَ شُعاعَ الشَّمْسِ في الكُهُوفِ أوْ في أسْرابٍ يَتَّخِذُونَها في التُّرابِ. فالمُرادُ بِالسِّتْرِ ما يَسْتُرُ الجَسَدَ.

وكانُوا قَدْ تَعَوَّدُوا مُلاقاةَ حَرِّ الشَّمْسِ، ولَعَلَّهم كانُوا يَتَعَرَّضُونَ لِلشَّمْسِ فَيَدْفَعُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ ما يُلاقُونَهُ مِنَ القُرِّ لَيْلًا.

صفحة ٢٩

وفِي هَذِهِ الحالَةِ عِبْرَةٌ مِنِ اخْتِلافِ الأُمَمِ في الطَّبائِعِ والعَوائِدِ وسِيرَتِهِمْ عَلى نَحْوِ مُناخِهِمْ.