Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿فاذْكُرُونِي أذْكُرْكم واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ﴾ الفاءُ لِلتَّفْرِيعِ عاطِفَةُ جُمْلَةِ الأمْرِ بِذِكْرِ اللَّهِ وشُكْرِهِ عَلى جُمَلِ النِّعَمِ المُتَقَدِّمَةِ؛ أيْ إذْ قَدْ أنْعَمْتُ عَلَيْكم بِهاتِهِ النِّعَمِ فَأنا آمُرُكم بِذِكْرِي، وقَوْلُهُ ﴿فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ﴾ فِعْلانِ مُشْتَقّانِ مِنَ الذِّكْرِ بِكَسْرِ الذّالِ ومِنَ الذُّكْرِ بِضَمِّها، والكُلُّ مَأْمُورٌ بِهِ لِأنَّنا مَأْمُورُونَ بِتَذَكُّرِ اللَّهِ تَعالى عِنْدَ الإقْدامِ عَلى الأفْعالِ لِنَذْكُرَ أوامِرَهُ ونَواهِيَهُ قالَ تَعالى ﴿والَّذِينَ إذا فَعَلُوا فاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم ذَكَرُوا اللَّهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٣٥] وعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ: أفْضَلُ مِن ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسانِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ أمْرِهِ ونَهْيِهِ، ومَأْمُورُونَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعالى بِألْسِنَتِنا في جُمَلٍ تَدُلُّ عَلى حَمْدِهِ وتَقْدِيسِهِ والدَّعْوَةِ إلى طاعَتِهِ ونَحْوِ ذَلِكَ، وفي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ «وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَأٍ خَيْرٍ مِنهُ» والذِّكْرُ في قَوْلِهِ أذْكُرْكم يَجِيءُ عَلى المَعْنَيَيْنِ، ولا بُدَّ مِن تَقْدِيرٍ في قَوْلِهِ اذْكُرُونِي عَلى الوَجْهَيْنِ لِأنَّ الذِّكْرَ لا يَتَعَلَّقُ بِذاتِ اللَّهِ تَعالى فالتَّقْدِيرُ: اذْكُرُوا عَظَمَتِي وصِفاتِي وثَنائِي وما تَرَتَّبَ عَلَيْها مِنَ الأمْرِ والنَّهْيِ، أوِ اذْكُرُوا نِعَمِي ومَحامِدِي، وهو تَقْدِيرٌ مِن دَلالَةِ الِاقْتِضاءِ، وأمّا أذْكُرْكم فَهو مَجازٌ، أيْ أُعامِلْكم مُعامَلَةَ مَن لَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ بِزِيادَةِ النِّعَمِ والنَّصْرِ والعِنايَةِ في الدُّنْيا، وبِالثَّوابِ ورَفْعِ الدَّرَجاتِ في الآخِرَةِ، أوْ أخْلُقْ ما يَفْهَمُ مِنهُ النّاسُ في المَلَأِ الأعْلى وفي الأرْضِ فَضْلَكم والرِّضى عَنْكم، نَحْوَ قَوْلِهِ ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ [آل عمران: ١١٠]، وحُسْنَ مَصِيرِكم في الآخِرَةِ، لِأنَّ الذِّكْرَ بِمَعْنَيَيْهِ الحَقِيقِيَّيْنِ مُسْتَحِيلٌ عَلى اللَّهِ تَعالى. ثُمَّ إنَّ تَعْدِيَتَهُ لِلْمَفْعُولِ أيْضًا عَلى طَرِيقِ دَلالَةِ
صفحة ٥١
الِاقْتِضاءِ إذْ لَيْسَ المُرادُ تَذَكُّرَ الذَّواتِ ولا ذِكْرَ أسْمائِها بَلِ المُرادُ تَذَكُّرُ ما يَنْفَعُهم إذا وصَلَ إلَيْهِمْ وذِكْرُ فَضائِلِهِمْ.وقَوْلُهُ واشْكُرُوا لِي أمْرٌ بِالشُّكْرِ الأعَمِّ مِنَ الذِّكْرِ مِن وجْهٍ أوْ مُطْلَقًا، وتَعْدِيَتُهُ لِلْمَفْعُولِ بِاللّامِ هو الأفْصَحُ وتُسَمّى اللّامُ لامَ التَّبْلِيغِ ولامَ التَّبْيِينِ كَما قالُوا نَصَحَ لَهُ ونَصَحَهُ، كَقَوْلِهِ تَعالى فَتَعْسًا لَهم وقَوْلِ النّابِغَةِ:
شَكَرْتُ لَكَ النُّعْمى وأثْنَيْتُ جاهِدًا وعَطَّلْتُ أعْراضَ العُبَيْدِ بْنِ عامِرِ
وقَوْلِهِ ولا تَكْفُرُونَ نَهْيٌ عَنِ الكُفْرانِ لِلنِّعْمَةِ، والكُفْرانُ مَراتِبُ أعْلاها جَحْدُ النِّعْمَةِ وإنْكارُها ثُمَّ قَصْدُ إخْفائِها، ثُمَّ السُّكُوتُ عَنْ شُكْرِها غَفْلَةً وهَذا أضْعَفُ المَراتِبِ وقَدْ يُعْرِضُ عَنْ غَيْرِ سُوءِ قَصْدٍ لَكِنَّهُ تَقْصِيرٌ.قالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَيْسَ عَطْفُ قَوْلِهِ ولا تَكْفُرُونِ بِدَلِيلٍ عَلى أنَّ الأمْرَ بِالشَّيْءِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وذَلِكَ لِأنَّ الأمْرَ بِالشُّكْرِ مُطْلَقٌ أيْ لِأنَّ الأمْرَ لا يَدُلُّ عَلى التَّكْرارِ فَلا عُمُومَ لَهُ فَيَصْدُقُ بِشُكْرِهِ يَوْمًا واحِدًا فَلَمّا قالَ ولا تَكْفُرُونِ أفادَ النَّهْيَ عَنِ الكُفْرِ دائِمًا، اهـ، يُرِيدُ لِأنَّ الفِعْلَ في سِياقِ النَّهْيِ يَعُمُّ، مِثْلَ الفِعْلِ في سِياقِ النَّفْيِ لِأنَّ النَّهْيَ أخُو النَّفْيِ.