Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿أيَوَدُّ أحَدُكم أنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِن نَخِيلٍ وأعْنابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ لَهُ فِيها مِن كُلِّ الثَّمَراتِ وأصابَهُ الكِبَرُ ولَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأصابَها إعْصارٌ فِيهِ نارٌ فاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكم تَتَفَكَّرُونَ﴾ .
اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ أثارَهُ ضَرْبُ المَثَلِ العَجِيبِ لِلْمُنْفِقِ في سَبِيلِ اللَّهِ بِمَثَلِ حَبَّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ، ومَثَلِ جَنَّةٍ بِرُبْوَةٍ إلى آخِرِ ما وُصِفَ مِنَ المَثَلَيْنِ، ولَمّا أُتْبِعَ بِما يُفِيدُ أنَّ ذَلِكَ إنَّما هو لِلْمُنْفِقِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ لا يُتْبِعُونَ ما أنْفَقُوا مَنًّا ولا أذًى، ثُمَّ أُتْبِعَ بِالنَّهْيِ عَنْ أنْ يُتْبِعُوا صَدَقاتِهِمْ بِالمَنِّ والأذى - اسْتَشْرَفَتْ نَفْسُ السّامِعِ لِتَلَقِّي مَثَلٍ لَهم يُوَضِّحُ حالَهُمُ الذَّمِيمَةَ كَما ضُرِبَ المَثَلُ لِمَن كانُوا بِضِدِّ حالِهِمْ في حالَةٍ مَحْمُودَةٍ.
ضَرَبَ اللَّهُ هَذا مَثَلًا لِمُقابِلِ مَثَلِ النَّفَقَةِ لِمَرْضاةِ اللَّهِ والتَّصْدِيقِ. وهو نَفَقَةُ الرِّئاءِ، ووَجْهُ الشَّبَهِ هو حُصُولُ خَيْبَةٍ ويَأْسٍ في وقْتِ تَمامِ الرَّجاءِ وإشْرافِ الإنْتاجِ، فَهَذا مُقابِلُ قَوْلِهِ
صفحة ٥٤
﴿ومَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاةِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٦٥] الآيَةَ، وقَدْ وصَفَ الجَنَّةَ بِأعْظَمِ ما يَحْسُنُ بِهِ أحْوالُ الجَنّاتِ وما يُرْجى مِنهُ تَوَفُّرُ رَيْعِها، ثُمَّ وصَفَ صاحِبَها بِأقْصى صِفاتِ الحاجَةِ إلى فائِدَةِ جَنَّتِهِ، بِأنَّهُ ذُو عِيالٍ فَهو في حاجَةٍ إلى نَفْعِهِمْ، وأنَّهم ضُعَفاءُ، أيْ صِغارٌ، إذِ الضَّعِيفُ في لِسانِ العَرَبِ هو القاصِرُ، ويُطْلَقُ الضَّعِيفُ عَلى الفَقِيرِ أيْضًا، قالَ تَعالى: ﴿فَإنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهًا أوْ ضَعِيفًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] وقالَ أبُو خالِدٍ العَتّابِيُّ:لَقَدْ زادَ الحَياةَ إلَيَّ حُبًّا بَناتِي إنَّهُنَّ مِنَ الضِّعافِ
وقَدْ أصابَهُ الكِبَرُ فَلا قُدْرَةَ لَهُ عَلى الكَسْبِ غَيْرَ تِلْكَ الجَنَّةِ. فَهَذِهِ أشَدُّ أحْوالِ الحِرْصِ كَقَوْلِ الأعْشى:كَجابِيَةِ الشَّيْخِ العِراقِيِّ تَفْهَقُ فَحَصَلَ مِن تَفْصِيلِ هَذِهِ الحالَةِ أعْظَمُ التَّرَقُّبِ لِثَمَرَةِ هَذِهِ الجَنَّةِ كَما كانَ المُعْطِي صَدَقَتَهُ في تَرَقُّبٍ لِثَوابِها.
”فَأصابَها إعْصارٌ“ أيْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ تَقْلَعُ الشَّجَرَ والنَّباتَ، فِيها نارٌ أيْ شِدَّةُ حَرارَةٍ، وهي المُسَمّاةُ بِرِيحِ السَّمُومِ، فَإطْلاقُ لَفْظِ نارٍ عَلى شِدَّةِ الحَرِّ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، فَأحْرَقَتِ الجَنَّةَ (أيْ أشْجارَها) أيْ صارَتْ أعْوادُها يابِسَةً، فَهَذا مُفاجَأةُ الخَيْبَةِ في حِينِ رَجاءِ المَنفَعَةِ.
والِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ ”أيَوَدُّ“ اسْتِفْهامُ إنْكارٍ وتَحْذِيرٍ كَما في قَوْلِهِ: ﴿أيُحِبُّ أحَدُكم أنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَيْتًا﴾ [الحجرات: ١٢] والهَيْئَةُ المُشَبَّهَةُ مَحْذُوفَةٌ وهي هَيْئَةُ المُنْفِقِ نَفَقَةً مُتْبَعَةً بِالمَنِّ والأذى.
رَوى البُخارِيُّ أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ سَألَ يَوْمًا أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ: ﴿أيَوَدُّ أحَدُكم أنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِن نَخِيلٍ وأعْنابٍ﴾ الآيَةَ، فَقالَ بَعْضُهُمُ: اللَّهُ أعْلَمُ. فَغَضِبَ عُمَرُ وقالَ: (قُولُوا نَعْلَمُ أوْ لا نَعْلَمُ) . فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: (في نَفْسِي مِنها شَيْءٌ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ) . فَقالَ عُمَرُ: يا ابْنَ أخِي قُلْ ولا تَحْقِرْ نَفْسَكَ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ. قالَ عُمَرُ: (أيُّ عَمَلٍ) . قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لِعَمَلٍ. قالَ: صَدَقْتَ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطاعَةِ اللَّهِ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ إلَيْهِ شَيْطانًا لَمّا فَنِيَ عُمْرُهُ فَعَمِلَ في المَعاصِي حَتّى أحْرَقَ عَمَلَهُ.
صفحة ٥٥
وقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ﴾ تَذْيِيلٌ؛ أيْ كَهَذا البَيانِ الَّذِي فِيهِ تَقْرِيبُ المَعْقُولِ بِالمَحْسُوسِ بَيَّنَ اللَّهُ نُصْحًا لَكم، رَجاءَ تَفَكُّرِكم في العَواقِبِ حَتّى لا تَكُونُوا عَلى غَفْلَةٍ، والتَّشْبِيهُ في قَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ﴾ نَحْوُ ما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣] .