Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ١٨٦
﴿شَهِدَ اللَّهُ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا هو والمَلائِكَةُ وأُولُو العِلْمِ قائِمًا بِالقِسْطِ لا إلَهَ إلّا هو العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ .اسْتِئْنافٌ وتَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩] ذَلِكَ أنَّ أساسَ الإسْلامِ هو تَوْحِيدُ اللَّهِ. وإعْلانُ هَذا التَّوْحِيدِ، وتَخْلِيصُهُ مِن شَوائِبِ الإشْراكِ، وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالمُشْرِكِينَ وبِالنَّصارى واليَهُودِ، وإنْ تَفاوَتُوا في مَراتِبِ الإشْراكِ، وفِيهِ ضَرْبٌ مِن رَدِّ العَجُزِ عَلى الصَّدْرِ: لِأنَّهُ يُؤَكِّدُ ما افْتُتِحَتْ بِهِ السُّورَةُ مِن قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هو الحَيُّ القَيُّومُ﴾ [آل عمران: ٢] ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ﴾ [آل عمران: ٣] .
والشَّهادَةُ حَقِيقَتُها خَبَرٌ يُصَدَّقُ بِهِ خَبَرُ مُخْبِرٍ وقَدْ يُكَذَّبُ بِهِ خَبَرُ آخَرَ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِجالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] في سُورَةِ البَقَرَةِ. وإذْ قَدْ كانَ شَأْنُهُ أنْ يَكُونَ لِلتَّصْدِيقِ والتَّكْذِيبِ في الحُقُوقِ، كانَ مَظِنَّةَ اهْتِمامِ المُخْبِرِ بِهِ والتَّثَبُّتِ فِيهِ، فَلِذَلِكَ أُطْلِقَ مَجازًا عَلى الخَبَرِ الَّذِي لا يَنْبَغِي أنْ يَشُكَّ فِيهِ، قالَ تَعالى: ﴿واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١] وذَلِكَ عَلى سَبِيلِ المَجازِ المُرْسَلِ بِعَلاقَةِ التَّلازُمِ، فَشَهادَةُ اللَّهِ تَحْقِيقُهُ وحْدانِيَّتَهُ بِالدَّلائِلِ الَّتِي نَصَبَها عَلى ذَلِكَ، وشَهادَةُ المَلائِكَةِ تَحْقِيقُهم ذَلِكَ فِيما بَيْنَهم، وتَبْلِيغُ بَعْضِهِمْ ذَلِكَ إلى الرُّسُلِ، وشَهادَةُ أُولِي العِلْمِ تَحْقِيقُهم ذَلِكَ بِالحُجَجِ والأدِلَّةِ.
فَإطْلاقُ الشَّهادَةِ عَلى هَذِهِ الأخْبارِ مَجازٌ بِعَلاقَةِ اللُّزُومِ، أوْ تَشْبِيهُ الإخْبارِ بِالإخْبارِ أوِ المُخْبِرِ بِالمُخْبِرِ، ولَكَ أنْ تَجْعَلَ ”شَهِدَ“ بِمَعْنى بَيَّنَ وأقامَ الأدِلَّةَ، شَبَّهَ إقامَةَ الأدِلَّةِ عَلى وحْدانِيَّتِهِ: مِن إيجادِ المَخْلُوقاتِ ونَصْبِ الأدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ، بِشَهادَةِ الشّاهِدِ بِتَصْدِيقِ الدَّعْوى في البَيانِ والكَشْفِ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِعارَةِ التَّبَعِيَّةِ، وبَيَّنَ ذَلِكَ المَلائِكَةُ بِما نَزَلُوا بِهِ مِنَ الوَحْيِ عَلى الرُّسُلِ، وما نَطَقُوا بِهِ مِن مَحامِدَ، وبَيَّنَ ذَلِكَ أُولُو العِلْمِ بِما أقامُوا مِنَ الحُجَجِ عَلى المَلاحِدَةِ، ولَكَ أنْ تَجْعَلَ شَهادَةَ اللَّهِ بِمَعْنى الدَّلالَةِ ونَصْبِ الأدِلَّةِ، وشَهادَةَ المَلائِكَةِ وأُولِي العِلْمِ بِمَعْنًى آخَرَ وهو الإقْرارُ أوْ بِمَعْنَيَيْنِ: إقْرارِ المَلائِكَةِ، واحْتِجاجِ أُولِي العِلْمِ، ثُمَّ تَبْنِيَهُ عَلى اسْتِعْمالِ ”شَهِدَ“ في مَعانٍ مَجازِيَّةٍ، مِثْلَ: ﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ﴾ [الأحزاب: ٥٦]، أوْ عَلى اسْتِعْمالِ ”شَهِدَ“ في مَجازٍ أعَمَّ، وهو الإظْهارُ، حَتّى يَكُونَ نَصْبُ الأدِلَّةِ والإقْرارُ والِاحْتِجاجُ مِن أفْرادِ ذَلِكَ العامِّ، بِناءً عَلى عُمُومِ المَجازِ.
صفحة ١٨٧
وانْتَصَبَ قائِمًا بِالقِسْطِ عَلى الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ إلّا هو أيْ شَهِدَ بِوَحْدانِيَّتِهِ وقِيامِهِ بِالعَدْلِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا مِنِ اسْمِ الجَلالَةِ مِن قَوْلِهِ: ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾ فَيَكُونَ حالًا مُؤَكِّدَةً لِمَضْمُونِ ”شَهِدَ“ لِأنَّ الشَّهادَةَ هَذِهِ قِيامٌ بِالقِسْطِ، فالشّاهِدُ بِها قائِمٌ بِالقِسْطِ، قالَ تَعالى: ﴿كُونُوا قَوّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالقِسْطِ﴾ [المائدة: ٨] . وزَعَمَ ابْنُ هِشامٍ في البابِ الرّابِعِ: أنَّ كَوْنَهُ حالًا مُؤَكِّدَةً وهْمٌ، وعَلَّلَهُ بِما هو وهْمٌ، وقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحَمَّدْ الرَّصّاعْ جَرَيانَ بَحْثٍ في إعْرابِ مِثْلِ هَذِهِ الحالِ في سُورَةِ الصَّفِّ في دَرْسِ شَيْخِهِ مُحَمَّدْ بْنِ عُقابْ.والقِيامُ هُنا بِمَعْنى المُواظَبَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿أفَمَن هو قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ﴾ [الرعد: ٣٣] وقَوْلِهِ: ﴿لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسْطِ﴾ [الحديد: ٢٥] وتَقُولُ: الأمِيرُ قائِمٌ بِمَصالِحِ الأُمَّةِ، كَما تَقُولُ: ساهِرٌ عَلَيْها، ومِنهُ ﴿وإقامَ الصَّلاةِ﴾ [الأنبياء: ٧٣] وقَوْلِ أيْمَنَ بْنِ خُرَيْمٍ الأنْصارِيِّ:
أقامَتْ غَزالَةُ سُوقَ الضِّرابِ لِأهْلِ العِراقَيْنِ حَوْلًا قَمِيطا
وهُوَ في الجَمِيعِ تَمْثِيلٌ.والقِسْطُ: العَدْلُ وهو مُخْتَصَرٌ مِنَ القُسْطاسِ - بِضَمِّ القافِ - رَوى البُخارِيُّ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ قالَ: القُسْطاسُ: العَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ وهَذِهِ الكَلِمَةُ ثابِتَةٌ في اللُّغاتِ الرُّومِيَّةِ وهي مِنَ اللّاطِينِيَّةِ، ويُطْلَقُ القِسْطُ والقِسْطاسُ عَلى المِيزانِ، لِأنَّهُ آلَةٌ لِلْعَدْلِ. قالَ تَعالى: ﴿وزِنُوا بِالقِسْطاسِ المُسْتَقِيمِ﴾ [الإسراء: ٣٥] وقالَ: ﴿ونَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ﴾ [الأنبياء: ٤٧] . وقَدْ أقامَ اللَّهُ القِسْطَ في تَكْوِينِ العَوالِمِ عَلى نُظُمِها، وفي تَقْدِيرِ بَقاءِ الأنْواعِ، وإيداعِ أسْبابِ المُدافَعَةِ في نُفُوسِ المَوْجُوداتِ، وفِيما شَرَعَ لِلْبَشَرِ مِنَ الشَّرائِعِ في الِاعْتِقادِ والعَمَلِ: لِدَفْعِ ظُلْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وظُلْمِهِمْ أنْفُسَهم، فَهو القائِمُ بِالعَدْلِ سُبْحانَهُ، وعَدْلُ النّاسِ مُقْتَبَسٌ مِن مُحاكاةِ عَدْلِهِ.
وقَوْلُهُ: ﴿لا إلَهَ إلّا هُوَ﴾ تَمْجِيدٌ وتَصْدِيقٌ، نَشَأ عَنْ شَهادَةِ المَوْجُوداتِ كُلِّها لَهُ بِذَلِكَ فَهو تَلْقِينُ الإقْرارِ لَهُ بِذَلِكَ عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيءِ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦] أيِ اقْتِداءً بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ، عَلى أنَّهُ يُفِيدُ مَعَ ذَلِكَ تَأْكِيدَ الجُمْلَةِ السّابِقَةِ، ويُمَهِّدُ لِوَصْفِهِ تَعالى بِالعَزِيزِ الحَكِيمِ.