صفحة ٦٨

﴿إنْ تَمْسَسْكم حَسَنَةٌ تَسُؤْهم وإنْ تُصِبْكم سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها﴾ .

زادَ اللَّهُ كَشْفًا لِما في صُدُورِهِمْ بِقَوْلِهِ ﴿إنْ تَمْسَسْكم حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾ أيْ تُصِبْكم حَسَنَةٌ والمَسُّ الإصابَةُ، ولا يَخْتَصُّ أحَدُهُما بِالخَيْرِ والآخَرُ بِالشَّرِّ، فالتَّعْبِيرُ بِأحَدِهِما في جانِبِ الحَسَنَةِ، وبِالآخَرِ في جانِبِ السَّيِّئَةِ، تَفَنُّنٌ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿كالَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ المَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] - في سُورَةِ البَقَرَةِ - .

والحَسَنَةُ والسَّيِّئَةُ هُنا الحادِثَةُ أوِ الحالَةُ الَّتِي تَحْسُنُ عِنْدَ صاحِبِها أوْ تَسُوءُ ولَيْسَ المُرادُ بِهِما هُنا الِاصْطِلاحَ الشَّرْعِيَّ.

* * *

﴿وإنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكم كَيْدُهم شَيْئًا إنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ .

أرْشَدَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ إلى كَيْفِيَّةِ تَلَقِّي أذى العَدُوِّ: بِأنْ يَتَلَقَّوْهُ بِالصَّبْرِ والحَذَرِ، وعَبَّرَ عَنِ الحَذَرِ بِالِاتِّقاءِ أيِ اتِّقاءَ كَيْدِهِمْ وخِداعِهِمْ، وقَوْلِهِ ﴿لا يَضُرُّكم كَيْدُهم شَيْئًا﴾ أيْ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الضُّرُّ كُلُّهُ لِأنَّهُ أثْبَتَ في أوَّلِ الآياتِ أنَّهم لا يَضُرُّونَ المُؤْمِنِينَ إلّا أذًى، فالأذى ضُرٌّ خَفِيفٌ، فَلَمّا انْتَفى الضُّرُّ الأعْظَمُ الَّذِي يُحْتاجُ في دَفْعِهِ إلى شَدِيدِ مُقاوَمَةٍ مِن قِتالٍ وحِراسَةٍ وإنْفاقٍ، كانَ انْتِفاءُ ما بَقِيَ مِنَ الضُّرِّ هَيِّنًا، وذَلِكَ بِالصَّبْرِ عَلى الأذى وقِلَّةِ الِاكْتِراثِ بِهِ، مَعَ الحَذَرِ مِنهم أنْ يَتَوَسَّلُوا بِذَلِكَ الأذى إلى ما يُوصِلُ ضُرًّا عَظِيمًا. وفي الحَدِيثِ «لا أحَدَ أصْبَرُ عَلى أذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ يَدْعُونَ لَهُ نِدًّا وهو يَرْزُقُهم» .

وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، ويَعْقُوبُ: ”لا يَضِرْكم“ بِكَسْرِ الضّادِ وسُكُونِ الرّاءِ مِن ضارَهُ يَضِيرُهُ بِمَعْنى أضَرَّهُ. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، وعاصِمٌ، والكِسائِيُّ، وأبُو جَعْفَرٍ، وخَلَفٌ - بِضَمِّ الضّادِ

صفحة ٦٩

وضَمِّ الرّاءِ مُشَدَّدَةً - مِن ضَرَّهُ يَضُرُّهُ، والضَّمَّةُ ضَمَّةُ إتْباعٍ لِحَرَكَةِ العَيْنِ عِنْدَ الإدْغامِ لِلتَّخَلُّصِ مِنِ التِقاءِ السّاكِنَيْنِ: سُكُونِ الجَزْمِ وسُكُونِ الإدْغامِ، ويَجُوزُ في مِثْلِهِ مِنَ المَضْمُومِ العَيْنِ في المُضارِعِ ثَلاثَةُ وُجُوهٍ في العَرَبِيَّةِ: الضَّمُّ لِإتْباعِ حَرَكَةِ العَيْنِ، والفَتْحُ لِخِفَّتِهِ، والكَسْرُ لِأنَّهُ الأصْلُ في التَّخَلُّصِ مِنِ التِقاءِ السّاكِنَيْنِ، ولَمْ يُقْرَأْ إلّا بِالضَّمِّ في المُتَواتِرِ.