Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿لَهم دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وهْوَ ولِيُّهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾
الضَّمِيرُ في ﴿لَهم دارُ السَّلامِ﴾ عائِدٌ إلى قَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ.
والجُمْلَةُ إمّا مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا؛ لِأنَّ الثَّناءَ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم فُصِّلَتْ لَهُمُ الآياتُ، ويَتَذَكَّرُونَ بِها يُثِيرُ سُؤالَ مَن يَسْألُ عَنْ أثَرِ تَبْيِينِ الآياتِ لَهم وتَذَكُّرِهم بِها، فَقِيلَ: ﴿لَهم دارُ السَّلامِ﴾ .
وإمّا صِفَةٌ ﴿لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٦] .
وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ لِإفادَةِ الِاخْتِصاصِ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ يَذَّكَّرُونَ لا لِغَيْرِهِمْ.
والدّارُ: مَكانُ الحُلُولِ والإقامَةِ، تُرادِفُ أوْ تُقارِبُ المَحَلَّ مِنَ الحُلُولِ، وهو مُؤَنَّثٌ تَقْدِيرًا فَيُصَغَّرُ عَلى دُوَيْرَةٍ، والدّارُ مُشْتَقَّةٌ مِن فِعْلِ دارَ يَدُورُ؛ لِكَثْرَةِ دَوَرانِ أهْلِها، ويُقالُ لَها: دارَةٌ، ولَكِنَّ المَشْهُورَ في الدّارَةِ أنَّها الأرْضُ الواسِعَةُ بَيْنَ جِبالٍ.
والسَّلامُ: الأمانُ، والمُرادُ بِهِ هُنا الأمانُ الكامِلُ الَّذِي لا يَعْتَرِي صاحِبَهُ شَيْءٌ مِمّا يَخافُ مِنَ المَوْجُوداتِ؛ جَواهِرُها وأعْراضُها، فَيَجُوزُ أنْ يُرادَ
صفحة ٦٤
بِـ (دارِ السَّلامِ) الجَنَّةُ، سُمِّيَتْ دارَ السَّلامِ؛ لِأنَّ السَّلامَةَ الحَقَّ فِيها، لِأنَّها قَرارُ أمْنٍ مِن كُلِّ مَكْرُوهٍ لِلنَّفْسِ، فَتَمَحَّضَتْ لِلنَّعِيمِ المُلائِمِ، وقِيلَ السَّلامُ: اسْمٌ مِن أسْماءِ اللَّهِ تَعالى؛ أيْ: دارُ اللَّهِ؛ تَعْظِيمًا لَها، كَما يُقالُ لِلْكَعْبَةِ: بَيْتُ اللَّهِ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ مَكانَةُ الأمانِ عِنْدَ اللَّهِ؛ أيْ: حالَةُ الأمانِ مِن غَضَبِهِ وعَذابِهِ، كَقَوْلِ النّابِغَةِ:كَمْ قَدْ أحَلَّ بِدارٍ الفَقْرَ بَعْدَ غِنَـى عَمْرٌو وكَمْ راشَ عَمْرٌو بَعْدَ إقْتارِ
و(عِنْدَ) مُسْتَعارَةٌ لِلْقُرْبِ الِاعْتِبارِيِّ، أُرِيدَ بِهِ تَشْرِيفُ الرُّتْبَةِ كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَقِبَهُ: ﴿وهُوَ ولِيُّهُمْ﴾ ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُسْتَعارَةً لِلْحِفْظِ؛ لِأنَّ الشَّيْءَ النَّفِيسَ يُجْعَلُ في مَكانٍ قَرِيبٍ مِن صاحِبِهِ لِيَحْفَظَهُ، فَيَكُونُ المَعْنى تَحْقِيقَ ذَلِكَ لَهم، وأنَّهُ وعْدٌ كالشَّيْءِ المَحْفُوظِ المُدَّخَرِ، كَما يُقالُ: إنْ فَعَلْتَ كَذا فَلَكَ عِنْدِي كَذا تَحْقِيقًا لِلْوَعْدِ.والعُدُولُ عَنْ إضافَةِ (عِنْدَ) لِضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ إلى إضافَتِهِ لِلِاسْمِ الظّاهِرِ: لِقَصْدِ تَشْرِيفِهِمْ بِأنَّ هَذِهِ عَطِيَّةُ مَن هو مَوْلاهم، فَهي مُناسِبَةٌ لِفَضْلِهِ وبِرِّهِ بِهِمْ ورِضاهُ عَنْهم كَعَكْسِهِ المُتَقَدِّمِ آنِفًا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١٢٤]
وعُطِفَ عَلى جُمْلَةِ ﴿لَهم دارُ السَّلامِ﴾ جُمْلَةُ ﴿وهُوَ ولِيُّهُمْ﴾ تَعْمِيمًا لِوِلايَةِ اللَّهِ إيّاهم في جَمِيعٍ شُئُونِهِمْ؛ لِأنَّها مِن تَمامِ المِنَّةِ، والوَلِيُّ يُطْلَقُ بِمَعْنى النّاصِرِ وبِمَعْنى المُوالِي.
وقَوْلُهُ: ﴿بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ يَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِما في مَعْنى الخَبَرِ في قَوْلِهِ: ﴿لَهم دارُ السَّلامِ﴾ مِن مَفْهُومِ الفِعْلِ؛ أيْ: ثَبَتَ لَهم ذَلِكَ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، فَتَكُونُ الباءُ سَبَبِيَّةً؛ أيْ: بِسَبَبِ أعْمالِهِمُ الحاصِلَةِ بِالإسْلامِ، أوِ الباءِ لِلْعِوَضِ، أيْ: لَهم ذَلِكَ جَزاءٌ بِأعْمالِهِمْ، وتَكُونُ جُمْلَةُ ﴿وهُوَ ولِيُّهُمْ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الخَبَرِ ومُتَعَلَّقِهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ: ﴿بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ مُتَعَلِّقًا بِـ (ولِيُّهم) أيْ: وهو ناصِرُهم، والباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أيْ: بِسَبَبِ أعْمالِهِمْ
صفحة ٦٥
تَوَلّاهم، أوِ الباءُ لِلْمُلابَسَةِ، ويَكُونُ ﴿بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ مُرادًا بِهِ جَزاءُ أعْمالِهِمْ، عَلى حَذْفِ مُضافٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ.وتَعْرِيفُ المُسْنَدِ بِالإضافَةِ في قَوْلِهِ: (ولِيُّهم) أفادَ الإعْلامَ بِأنَّ اللَّهَ ولِيُّ القَوْمِ المُتَذَكِّرِينَ، لِيَعْلَمُوا عِظَمَ هَذِهِ المِنَّةِ فَيَشْكُرُوها، ولِيَعْلَمَ المُشْرِكُونَ ذَلِكَ فَيَغِيظُهم، وذَلِكَ أنَّ تَعْرِيفَ المُسْنَدِ بِالإضافَةِ يُخالِفُ طَرِيقَةَ تَعْرِيفِهِ بِغَيْرِ الإضافَةِ مِن طُرُقِ التَّعْرِيفِ؛ لِأنَّ التَّعْرِيفَ بِالإضافَةِ أضْعَفُ مَراتِبِ التَّعْرِيفِ، حَتّى أنَّهُ قَدْ يَقْرُبُ مِنَ التَّنْكِيرِ عَلى ما ذَكَرَهُ المُحَقِّقُونَ مِن أنَّ أصْلَ وضْعِ الإضافَةِ عَلى اعْتِبارِ تَعْرِيفِ العَهْدِ، فَلا يُقالُ: غُلامُ زَيْدٍ، إلّا لِغُلامٍ مَعْهُودٍ بَيْنَ المُتَكَلِّمِ والمُخاطَبِ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ، ولَكِنَّ الإضافَةَ قَدْ تَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ في الِاسْتِعْمالِ فَتَجِيءُ بِمَنزِلَةِ النَّكِرَةِ المَخْصُوصَةِ بِالوَصْفِ، فَتَقُولُ: أتانِي غُلامُ زَيْدٍ بِكِتابٍ مِنهُ، وأنْتَ تُرِيدُ غُلامًا لَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ عِنْدَ المُخاطَبِ، فَيَصِيرُ المُعَرَّفُ بِالإضافَةِ حِينَئِذٍ كالمُعَرَّفِ بِلامِ الجِنْسِ؛ أيْ: يُفِيدُ تَعْرِيفًا يُمَيِّزُ الجِنْسَ مِن بَيْنِ سائِرِ الأجْناسِ، فالتَّعْرِيفُ بِالإضافَةِ يَأْتِي لِما يَأْتِي لَهُ التَّعْرِيفُ بِاللّامِ.
ولِهَذا لَمْ يَكُنْ في قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ ولِيُّهُمْ﴾ قَصْرٌ ولا إفادَةُ حُكْمٍ مَعْلُومٍ عَلى شَيْءٍ مَعْلُومٍ.
ومِمّا يَزِيدُكَ يَقِينًا بِهَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ مَوْلى الَّذِينَ آمَنُوا وأنَّ الكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ﴾ [محمد: ١١] فَإنَّ عَطْفَ ﴿وأنَّ الكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ﴾ [محمد: ١١] عَلى قَوْلِهِ: ﴿بِأنَّ اللَّهَ مَوْلى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [محمد: ١١] أفادَ أنَّ المُرادَ بِالأوَّلِ إفادَةُ وِلايَةِ اللَّهِ لِلَّذِينَ آمَنُوا لا الإعْلامُ بِأنَّ مَن عُرِفَ بِأنَّهُ مَوْلى الَّذِينَ آمَنُوا هو اللَّهُ.