Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضًا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾
هُوَ مِن تَمامِ الِاعْتِراضِ، أوْ مِن تَمامِ التَّذْيِيلِ، عَلى ما تَقَدَّمَ مِنَ الِاحْتِمالَيْنِ، الواوُ لِلْحالِ اعْتِراضِيَّةٌ كَما تَقَدَّمَ، أوْ لِلْعَطْفِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٢٨] .
والإشارَةُ إلى التَّوْلِيَةِ المَأْخُوذَةِ مِن: (نُوَلِّي) وجاءَ اسْمُ الإشارَةِ بِالتَّذْكِيرِ؛ لِأنَّ تَأْنِيثَ التَّوْلِيَةِ لَفْظِيٌّ لا حَقِيقِيٌّ، فَيَجُوزُ في إشارَتِهِ ما جازَ في فِعْلِهِ الرّافِعِ لِلظّاهِرِ، والمَعْنى: وكَما ولَّيْنا ما بَيْنَ هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ وبَيْنَ أوْلِيائِهِمْ نُوَلِّي بَيْنَ الظّالِمِينَ كُلِّهِمْ بَعْضُهم مَعَ بَعْضٍ.
والتَّوْلِيَةُ يَجِيءُ مِنَ الوَلاءِ ومِنَ الوِلايَةِ؛ لِأنَّ كِلَيْهِما يُقالُ في فِعْلِهِ المُتَعَدِّي: ولّى، بِمَعْنى جَعَلَ ولِيًّا، فَهو مِن بابِ أعْطى يَتَعَدّى إلى مَفْعُولَيْنِ، كَذا فَسَّرُوهُ، وظاهِرُ كَلامِهِمْ أنَّهُ يُقالُ: ولَّيْتُ ضَبَّةَ تَمِيمًا إذا حالَفْتُ بَيْنَهم، وذَلِكَ أنَّهُ يُقالُ: تَوَلَّتْ ضَبَّةُ تَمِيمًا بِمَعْنى حالَفَتْهم، فَإذا عُدِّيَ الفِعْلُ بِالتَّضْعِيفِ قِيلَ: ولَّيْتُ ضَبَّةَ تَمِيمًا، فَهو مِن قَبِيلِ قَوْلِهِ: ﴿نُوَلِّهِ ما تَوَلّى﴾ [النساء: ١١٥] أيْ: نُلْزِمُهُ ما ألْزَمَ نَفْسَهُ فَيَكُونُ مَعْنى ﴿نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضًا﴾ نَجْعَلُ بَعْضَهم أوْلِياءَ بَعْضٍ، ويَكُونُ ناظِرًا إلى قَوْلِهِ: ﴿وقالَ أوْلِياؤُهم مِنَ الإنْسِ﴾ [الأنعام: ١٢٨] وجَعَلَ الفَرِيقَيْنِ ظالِمِينَ؛ لِأنَّ الَّذِي يَتَوَلّى قَوْمًا يَصِيرُ مِنهم.
صفحة ٧٤
فَإذا جَعَلَ اللَّهُ فَرِيقًا أوْلِياءً لِلظّالِمِينَ فَقَدْ جَعَلَهم ظالِمِينَ بِالأُخارَةِ، قالَ تَعالى: ﴿ولا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ﴾ [هود: ١١٣]، وقالَ: ﴿بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ ومَن يَتَوَلَّهم مِنكم فَإنَّهُ مِنهم إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ [المائدة: ٥١] .ويُقالُ: ولّى، بِمَعْنى جَعَلَ والِيًا، فَيَتَعَدّى إلى مَفْعُولَيْنِ مِن بابِ أعْطى أيْضًا، يُقالُ: ولّى عُمَرُ أبا عُبَيْدَةَ الشّامَ، كَما يُقالُ: أوْلاهُ؛ لِأنَّهُ يُقالُ ولِيَ أبُو عُبَيْدَةَ الشّامَ، ولِذَلِكَ قالَ المُفَسِّرُونَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْنى: ﴿نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضًا﴾ نَجْعَلُ بَعْضَهم وُلاةً عَلى بَعْضٍ؛ أيْ: نُسَلِّطُ بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ، والمَعْنى أنَّهُ جَعَلَ الجِنَّ وهم ظالِمُونَ مُسَلَّطِينَ عَلى المُشْرِكِينَ، والمُشْرِكُونَ ظالِمُونَ، فَكُلٌّ يَظْلِمُ بِمِقْدارِ سُلْطانِهِ، والمُرادُ بِـ (الظّالِمِينَ) في الآيَةِ المُشْرِكُونَ، كَما هو مُقْتَضى التَّشْبِيهِ في قَوْلِهِ: (وكَذَلِكَ) .
وقَدْ تَشْمَلُ الآيَةُ بِطَرِيقِ الإشارَةِ كُلَّ ظالِمٍ، فَتَدُلُّ عَلى أنَّ اللَّهَ سَلَّطَ عَلى الظّالِمِ مَن يَظْلِمُهُ، وقَدْ تَأوَّلَها عَلى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أيّامَ دَعْوَتِهِ بِمَكَّةَ، فَإنَّهُ لَمّا بَلَغَهُ أنَّ عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوانَ قَتَلَ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ الأشْدَقَ بَعْدَ أنْ خَرَجَ عَمْرٌو عَلَيْهِ، صَعِدَ المِنبَرَ فَقالَ: ألا إنَّ ابْنَ الزَّرْقاءِ - يَعْنِي عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوانَ؛ لِأنَّ مَرْوانَ كانَ يُلَقَّبُ بِالأزْرَقِ وبِالزَّرْقاءِ؛ لِأنَّهُ أزْرَقُ العَيْنَيْنِ - قَدْ قَتَلَ لَطِيمَ الشَّيْطانِ ﴿وكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضًا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ومِن أجْلِ ذَلِكَ قِيلَ: إنْ لَمْ يُقْلِعِ الظّالِمُ عَنْ ظُلْمِهِ سُلِّطَ عَلَيْهِ ظالِمٌ آخَرُ، قالَ الفَخْرُ: إنْ أرادَ الرَّعِيَّةُ أنْ يَتَخَلَّصُوا مِن أمِيرٍ ظالِمٍ فَلْيَتْرُكُوا الظُّلْمَ، وقَدْ قِيلَ:
وما ظالِمٌ إلّا سَيُبْلى بِظالِمٍ
وقَوْلُهُ: ﴿بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ الباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ؛ أيْ: جَزاءٌ عَلى اسْتِمْرارِ شِرْكِهِمْ.صفحة ٧٥
والمَقْصُودُ مِنَ الآيَةِ الِاعْتِبارُ والمَوْعِظَةُ، والتَّحْذِيرُ مِنَ الِاغْتِرارِ بِوِلايَةِ الظّالِمِينَ، وتَوَخِّي الأتْباعِ صَلاحَ المَتْبُوعِينَ، وبَيانُ سُنَّةً مِن سُنَنِ اللَّهِ في العالَمِينَ.