Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿اتَّخَذُوا أحْبارَهم ورُهْبانَهم أرْبابًا مِن دُونِ اللَّهِ والمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وما أُمِرُوا إلّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا واحِدًا لا إلَهَ إلّا هو سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾
الجُمْلَةُ تَقْرِيرٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿وقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ وقالَتِ النَّصارى المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٠] لِيُبْنى عَلى التَّقْرِيرِ زِيادَةُ التَّشْنِيعِ بِقَوْلِهِ: ﴿وما أُمِرُوا إلّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا واحِدًا﴾ إلَخْ، فَوِزانُ هَذِهِ الجُمْلَةِ وِزانُ جُمْلَةِ ﴿اتَّخَذُوهُ وكانُوا ظالِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٨] بَعْدَ جُمْلَةِ ﴿واتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِن بَعْدِهِ مِن حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ﴾ [الأعراف: ١٤٨] . والضَّمِيرُ لِلْيَهُودِ والنَّصارى.
صفحة ١٧٠
والأحْبارُ جَمَعُ حَبْرٍ - بِفَتْحِ الحاءِ - وهو العالِمُ مِن عُلَماءِ اليَهُودِ.الرُّهْبانُ اسْمُ جَمْعٍ لِراهِبٍ وهو التَّقِيُّ المُنْقَطِعُ لِعِبادَةِ اللَّهِ مِن أهْلِ دِينِ النَّصْرانِيَّةِ، وإنَّما خُصَّ الحَبْرُ بِعالِمِ اليَهُودِ لِأنَّ عُظَماءَ دِينِ اليَهُودِيَّةِ يَشْتَغِلُونَ بِتَحْرِيرِ عُلُومِ شَرِيعَةِ التَّوْراةِ فَهم عُلَماءُ في الدِّينِ، وخُصَّ الرّاهِبُ بِعَظِيمِ دِينِ النَّصْرانِيَّةِ لِأنَّ دِينَ النَّصارى قائِمٌ عَلى أصْلِ الزُّهْدِ في الدُّنْيا والِانْقِطاعِ لِلْعِبادَةِ.
ومَعْنى اتِّخاذِهِمْ هَؤُلاءِ أرْبابًا أنَّ اليَهُودَ ادَّعَوْا لِبَعْضِهِمْ بُنُوَّةَ اللَّهِ - تَعالى - وذَلِكَ تَأْلِيهٌ، وأنَّ النَّصارى أشَدُّ مِنهم في ذَلِكَ إذْ كانُوا يَسْجُدُونَ لِصُوَرِ عُظَماءِ مِلَّتِهِمْ مِثْلَ صُورَةِ مَرْيَمَ، وصُوَرِ الحَوارِيِّينَ، وصُورَةِ يَحْيى بْنِ زَكَرِيّاءَ، والسُّجُودُ مِن شِعارِ الرُّبُوبِيَّةِ، وكانُوا يَسْتَنْصِرُونَ بِهِمْ في حُرُوبِهِمْ ولا يَسْتَنْصِرُونَ بِاللَّهِ.
وهَذا حالُ كَثِيرٍ مِن طَوائِفِهِمْ وفِرَقِهِمْ، ولِأنَّهم كانُوا يَأْخُذُونَ بِأقْوالِ أحْبارِهِمْ ورُهْبانِهِمُ المُخالِفَةِ لِما هو مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أنَّهُ مِنَ الدِّينِ، فَكانُوا يَعْتَقِدُونَ أنَّ أحْبارَهم ورُهْبانَهم يُحَلِّلُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ، ويُحَرِّمُونَ ما أحَلَّ اللَّهُ، وهَذا مُطَّرِدٌ في جَمِيعِ أهْلِ الدِّينَيْنِ، ولِذَلِكَ أفْحَمَ بِهِ النَّبِيءُ ﷺ عَدِيَّ بْنَ حاتِمٍ لَمّا وفَدَ عَلَيْهِ قُبَيْلَ إسْلامِهِ لَمّا سَمِعَ قَوْلَهُ - تَعالى: ﴿اتَّخَذُوا أحْبارَهم ورُهْبانَهم أرْبابًا مِن دُونِ اللَّهِ﴾ وقالَ عَدِيُّ: لَسْنا نَعْبُدُهم فَقالَ: («ألَيْسَ يُحَرِّمُونَ ما أحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ ويُحِلُّونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ فَقُلْتُ: بَلى قالَ: فَتِلْكَ عِبادَتُهم» ) فَحَصَلَ مِن مَجْمُوعِ أقْوالِ اليَهُودِ والنَّصارى أنَّهم جَعَلُوا لِبَعْضِ أحْبارِهِمْ ورُهْبانِهِمْ مَرْتَبَةَ الرُّبُوبِيَّةِ في اعْتِقادِهِمْ فَكانَتِ الشَّناعَةُ لازِمَةً لِلْأُمَّتَيْنِ ولَوْ كانَ مِن بَيْنِهِمْ مَن لَمْ يَقُلْ بِمَقالِهِمْ كَما زَعَمَ عَدِيُّ بْنُ حاتِمٍ فَإنَّ الأُمَّةَ تُؤاخَذُ بِما يَصْدُرُ مِن أفْرادِها إذا أقَرَّتْهُ ولَمْ تُنْكِرْهُ، ومَعْنى اتِّخاذُهم أرْبابًا مِن دُونِ اللَّهِ أنَّهُمُ اتَّخَذُوهم أرْبابًا دُونَ أنْ يُفْرِدُوا اللَّهَ بِالوَحْدانِيَّةِ، وتَخْصِيصُ المَسِيحِ بِالذِّكْرِ لِأنَّ تَأْلِيهَ النَّصارى إيّاهُ أشْنَعُ وأشْهَرُ.
وجُمْلَةُ ﴿وما أُمِرُوا إلّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا واحِدًا﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ ﴿اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ﴾، وهي مَحَطُّ زِيادَةِ التَّشْنِيعِ عَلَيْهِمْ وإنْكارِ صَنِيعِهِمْ بِأنَّهم لا عُذْرَ لَهم فِيما زَعَمُوا؛ لِأنَّ وصايا كُتُبِ المِلَّتَيْنِ طافِحَةٌ بِالتَّحْذِيرِ مِن عِبادَةِ المَخْلُوقاتِ ومِن إشْراكِها في خَصائِصِ الإلَهِيَّةِ.
صفحة ١٧١
وجُمْلَةُ (لا الهُ إلّا هو) صِفَةٌ ثانِيَةٌ لِـ ”إلَهًا واحِدًا“وجُمْلَةُ ﴿سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ لِقَصْدِ التَّنْزِيهِ والتَّبْرِيءِ مِمّا افْتَرَوْا عَلى اللَّهِ تَعالى، ولِذَلِكَ سُمِّيَ ذَلِكَ إشْراكًا.